* القاهرة - مكتب الجزيرة - محمد العجمي:
يبدأ البنك المركزي المصري قبل نهاية الشهر الحالي جولة جديدة لحل مشكلات المتعثرين في سداد القروض للبنوك لأسباب خارجة عن إرادتهم بهدف إعادة جدولة ديونهم وضخ استثمارات جديدة لمشروعاتهم المتوقفة. يبحث البنك مع اتحاد الصناعات مشكلات المتعثرين من أعضاء الاتحاد وعددهم يتجاوز 100 متعثر تتعدى ديونهم 3.2 مليارات جنيه.
وصرح مصدر مسئول بالبنك المركزي أن اجتماعاً سيعقد خلال أيام يحضره رشيد محمد رشيد وزير التجارة الخارجية والصناعة ود. فاروق العقدة محافظ البنك المركزي ورئيس اتحاد الصناعات جلال الزوربا ورؤساء البنوك الدائنة لعرض مشكلات المتعثرين وتأثيرها السلبي على الصناعة ومناخ الاستثمار وكيفية مساندة المتعثرين سواء بتقسيط الديون بما يتفق مع إمكاناتهم أو ضخ استثمارات جديدة في مشروعاتهم لتعمل بكامل طاقتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه في الشارع الاقتصادي المصري هل سينجح البنك المركزي في تسوية وجدولة ديون المتعثرين بعد أن نجحت تجربة أحمد بهجت ورامي لكح في تسوية ديونهم؟ وما هي الأسباب وراء تعثرهم؟
أكد الخبراء أن تسوية ديون المتعثرين يعدّ خطوة جيدة لدفع النشاط الاقتصادي والخروج من الركود وأشاروا إلى أن من أسباب تعثر رجال الأعمال يرجع إلى توقيع اتفاقية الإصلاح الاقتصادي مع صندوق النقد الدولي عام 1989 و1990م والتي شملت تحرير سعر الفائدة وإنشاء سوق الأوراق المالية وأصبح لكل مجلس إدارة بنك أن يحدد سعر الفائدة على الوديعة والإقراض وكان البنك المركزي يتولى ذلك وحده.
وقد كانت الفائدة على الودائع عام 89 هي 8% وعلى القروض 13% وعندما تم التحرير وفقاً للاتفاق مع الصندوق صدر أول وعاء ادخاري من بنك الاستثمار العربي يزيد على 20% فائدة على الوديعة ووصلت الفائدة على الإقراض إلى 27%، حينذاك لم يحتمل السوق زيادة تكلفة وأعباء القروض فزادت أسعار السلع والخدمات. وترتب على ذلك أن وصل سعر الفائدة إلى 20% على الجنيه، فبدأ كل من يدخر دولاراً يسارع لبيعه للبنك، والبنوك تبيع للبنك المركزي، حتى وصل حجم المخزون بالبنك المركزي إلى 14 مليار دولار، وكانت البنوك مضطرة لتعلية سعر الفائدة على الجنيه للتشجيع على بيع الدولار، وامتلأت خزائن البنوك بالجنيه ولم يكن هناك مقترضون جيدون للاقتراض من البنوك، وأصبحت البنوك مهددة بالإفلاس لأنها تحتفظ بالمليارات من الودائع وتدفع عليها فوائد دون توظيفها.
ولم تجد البنوك حلاً إلا أن تدفع عمليات التوظيف بأقصى طاقة ممكنة حتى ولو كان الاقتراض غير جيد، فقد كانوا مخيرين تحت ضغط الأجهزة الرقابية الفنية بين الاحتفاظ بالأموال في الخزائن ودفع فوائد للمودعين وهذا الائتمان تعثر منه جزء وهو ما نعاني منه الآن، وهو سبب وضع رجال البنوك والقيادات المصرفية محل اتهام حالياً.. وبعضهم في السجن رغم أنه لم يكن لديهم بديل إطلاقاً، سوى امتناعهم عن قبول الودائع، وإذا امتنعوا فسوف يتوقف المواطن عن بيع الدولار ويحتفظ به وبالتالي ينهار الأساس الأول من أسس الإصلاح الاقتصادي.
وتقول الدكتورة سميحة القليوبي أستاذ القانون التجاري جامعة القاهرة أن حالات التعثر ترجع إلى ارتفاع سعر الفائدة، وحدوث عدم التوازن في سعر الصرف بين الجنيه والدولار، الذي حمل العميل فروق الأسعار عند سداده مديونياته الدولارية، هذا بخلاف التدهور الاقتصادي الذي تسبب في عجز المشروعات عن خدمة ديونها في ظل انخفاض القوة الشرائية وعدم مقدرة المشروعات على المنافسة التصديرية لمنتجاتها ومنافسة المستورد.
موضحة أن رفض البنوك مقترحات التسوية ورفض التعامل مع حسابات المتعثرين المشاركين في مشروعات غير قانوني، حيث يجب أن يستمر التعامل مع حسابات رجال الأعمال لدفع الأجور والضرائب وعدم توقف النشاط لكن للأسف البنوك ترفض التعامل مع المشروعات وتلجأ للنيابة ويتوقف المشروع وتتفاقم المشكلة وتزداد حالات الإفلاس وإغلاق الشركات والمصانع وتم تشريد العمالة..
وللخروج من الأزمة طالبت الدكتورة سميحة بضرورة إسقاط نسبة كبيرة من الفوائد، فلا يجوز أن تزيد الفائدة على أصل الدين، فهناك بعض المتعثرين فاقت قيمة الفائدة حجم الدين نفسه خلال عدة سنوات وهذا باطل قانوناً. بالإضافة إلى منح المتعثرين قروضاً جديدة للخروج من أزمتهم بعد دراسة حالاتهم.
انقضاء الدعوة
أكد المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق أن هناك نصاً في قانون البنوك 88 لسنة 2003م ينص على أن الدعوة تنقضي إذا قام العميل بالتصالح مع البنك، ويوقف تنفيذ الحكم إذا كان قد صدر بمعرفة النيابة ما لم يكن الحكم باتاً. ولكن يجب تعديل فقرة أن ما لم يكن الحكم باتاً ويساوى بينها وبين الشيك، فحتى لو كان الحكم باتاً يوقف تنفيذ العقوبة تشجيعاً للناس على سداد مديونياتهم.
فالعميل الذي يحكم عليه وهو هارب بالخارج ويتيسر له السداد ويعرف أنه حتى لو قام بالتسديد فسوف يحبس يصبح من المستحيل أن يسدد ما عليه للبنك.. أما إذا عدلت هذه الفقرة فسوف يقوم العميل بالسداد حينما يتيسر له ذلك طالما أوقف تنفيذ العقوبة.
وأضاف أن الاستثمار في الدول المتقدمة يتم في مناخ تسوده سيادة القانون ويختص بنظر أي منازعة قضائية بشأنه القضاء العادي ويبت في هذه المنازعات حتى لو كانت مع الدولة بسرعة وعدالة واستقلال كامل عن السلطة التنفيذية.
في حين انه في الدول النامية فإن مركزية سلطة السيادة وسيطرتها على السلطات التشريعية والقضائية من خلال موازناتها وأنظمتها واعتمادها على نظام قانوني استثنائي موازٍ هو نظام الطوارئ الذي يخوله سلطات واسعة في اعتقال الأشخاص وحراسة الأموال والتفتيش، فإنه رغم الإفراج عن بعض المتهمين سواء بسبب أحكام بالبراءة أو الإلغاء الإداري، تصدر قرارات بالاعتقال واستمرار الحجز والسجن بناء على حالة الطوارئ مما يعوق حركة الاستثمار ويؤدي إلى التعثر.
ويضيف المستشار محمد حامد الجمل أن الاستثمار في مصر رغم كل الدعايات لا تتفق نسبته ونشاطه مع الإمكانات الاستثمارية الهائلة في الوطن شماله وجنوبه، فالعديد من المستثمرين يواجهون فضلاً عن العقبات الإدارية والبيروقراطية، والتغيرات الضرائبية والتشريعية الفجائية التي تهدد نشاطهم وتفرض على المشروع الاستثماري أعباء خطيرة غير متوقعة، تضاف لأعباء الفساد الإداري المتمثل في الرشاوى والعمولات وتعيين الأقارب والمحاسيب لذوي السلطة. هذا يؤدي لتعثر المنتجين بالإضافة إلى احتكار النشاط الاستيرادي من الخارج وتحقيق ثروات طائلة من فتح أبواب الاستثمار الأجنبي دون مراعاة للإنتاج الاستثماري الوطني، مما يؤدي لتراكمه بالمخازن وعدم تصريفه، وإفلاس العديد من المستثمرين وتعرضهم لدخول السجون لتعثرهم في سداد القروض التي حصلوا عليها.
|