قرأت في العدد قبل الماضي من جريدة الجزيرة (صفحة حواء الجزيرة) موضوعا بقلم موضي حمد لفت نظري لأهميته وأسلوبه البناء في نقد ومعالجة موضوع الصفحات النسائية، حيث استعرضت فيه عدة نقاط تحتاج كلها الى البحث والمناقشة، فكل مشكلة عادة ما تكون لها أسباب قريبة ومباشرة وأسباب أخرى بعيدة وغير مباشرة.. وفضلت أن اختار الأسباب البعيدة لما لها من فائدة كبيرة في بناء جيل المستقبل الذي يتصف بالعادات الحسنة والأخلاق الفاضلة والسلوك الايجابي البناء الذي يستند إلى إيمان قوي وتفكير واسع، هذا الجيل يعطي الخير كل الخير أينما عمل وفي ظل أي مسؤولية تحملها على صعيد العمل الاجتماعي، وقد قال رسول الله (ص): ( كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته)..
النقطة الأولى: تذكر ان بعض الناس يقولون ان المرأة تكتفي بقصاصات المجلات العربية والأجنبية التي تعني بحواء عن بذل الجهد لتقديم مادة محلية جيدة تناقش قضايا المرأة السعودية وترسم لها الخطوط الواضحة لمستقبلها وما هو مطلوب منها من خدمة لدينها ومجتمعها ووطنها..
والنقطة الثانية: ترى أن السبب يكمن في قلة الكاتبات اللاتي يملكن القدرة لتحريك هذه الصفحات من جمودها ورتابتها لأنه لو وجدت الكاتبة الجيدة التي تتعاون مع هذه الصفحات لا يمكنها أن تتطور وتخلق مع الزمن رصيدا كبيرا من القارئات.
وفي رأيي أن المدرسة لها علاقة في هذه المشكلة وتتحمل جزءا هاما من المسؤولية لأنها هي التي تعد المواطن الصالح والمواطنة الصالحة المزودين بالعلم والمعرفة وكل الخبرات التي يحتاجها مجتمعهم، أي أن المدرسة لا تقتصر وظيفتها على الناحية التعليمية بل من أهم واجبات المدرسة إلى جانب وظيفتها التعليمية إعداد الطالب والطالبة إلى المجتمع الأكبر بنجاح. ويكون ذلك بإدماجهم في الجماعات المدرسية التي تهدف إلى تكوين علاقات بين الطالبات مثلا وإكسابهن مهارات وخبرات تعود عليهن وعلى مجتمعهن بالخير والفائدة وتساعدهن على ممارسة الحياة كل ذلك مما يساعد الطالبة على النمو الاجتماعي السليم.
لنأخذ مثالا على ذلك جماعة الصحافة المدرسية فليس الدليل على تحقيق أهداف هذه الجماعة عدد الصفحات والمجلات الحائطية التي تصدرها خلال العام الدراسي ومدى رصانة المواضيع التي تحتويها هذه الصفحات بقدر ما يهمنا مدى أخذها بيد الطالبة ومقدار النمو الذي حققته في هذا المجال لمجموعة الطالبات المنتسبات إليها، بل أن تكون هذه المواضيع من انتاج الطالبات وليس من إنتاج أقاربهن وان تكون من أجل خدمة المجتمع المدرسي الصغير.وكذلك من الأهمية أيضاً مدى استطاعة رائدة هذه الجماعة من اكتشاف المواهب الكامنة لدى مجموعة من الطالبات يتوفر لديهن الميل والموهبة والامكانية للكتابة فتعمل على الأخذ بأيديهن شيئا فشيئا حتى تصقل مواهبهن وتشق طريقها في خدمة المجتمع المدرسي.. أليس المجتمع المدرسي هو صورة مصغرة عن المجتمع الأكبر وتجربته ثمينة يمكن الاستفادة منها لغرس الفضائل والعادات الحسنة التي ينتظرها المجتمع من أبناء وبنات المستقبل حتى يتمكنون من المشاركة الفعالة في نهضة المجتمع وبنائه بعد دخولهم معترك الحياة؟..
وليس أجمل من تكوين عادة التعاون والنظام والجرأة الأدبية مع المحافظة على عاداتنا الحسنة مثل الحياء المعقول السليم..
وتاريخنا حافل بالنساء اللواتي خدمن عصرهن بالثقافة والأدب والعلم النافع أمثال الخنساء وحزقاء العارمية وسكينة بنت الحسين وغيرهن كثيرات ممن كن يعنين بالأدب والعلم..
دخلت أسماء بنت يزيد الانصارية تقول للرسول وهي سفيرة النساء: يا رسول الله، إني رسول من ورائي جماعة من النساء يقلن بقولي وعلى مثل رأيي.. إلى آخر ما قالته بين يدي الرسول الذي التفت إلى أصحابه متسائلاً في إعجاب بهذه الزعيمة العظيمة: ( هل سمعتم مقال امرأة أحسن سؤالاً عن دينها من هذه؟) قالوا: لا يا رسول الله..
هذا مثال على صيغة الجرأة الأدبية عند المرأة المسلمة..
تبقى بعد ذلك وظيفة جماعة المكتبة والإذاعة.. ودور رائدتها داخل المجتمع المدرسي في إكساب الطالبة عادة القراءة والمطالعة المستمرة لشغل وقت فراغها وعلى الأخص أيام العطل بما يعود عليها وعلى مجتمعها بالفائدة، ويمكنها من أجل ذلك اختيار الكتاب الهادف البسيط المشوق الذي يتلاءم مع المستوى التعليمي والعمر الزمني للطالبة وبما يسير بها تدريجياً نحو النضج الثقافي، فقصص مرحلة الدراسة الابتدائية غير القصص والكتب الثقافية للمرحلة الاعدادية أو الثانوية، وكذلك يمكنها اختيار الأدب المحلي والأدب العربي الأصيل الذي يربط الطالبة بثقافة آبائها وأجدادها ويجعلها تعتز بما وصلوا إليه من معرفة في شتى مجالات العلم والمعرفة كالأدب والشعر وعلوم الفلك والطب والحساب.. الخ.. وإعطاء فكرة ولو بسيطة عن هذا التراث حتى نكون على معرفة به..
وليس شرطا أن تكون جميع طالبات المدرسة عاملات في هذه الجماعة، ولكن من واجب هذه الجماعة بإشراف الرائدة أن تكسب أكبر عدد من الطالبات ليكن صديقات لهذه الجماعة وتنظم الاستعارة والمطالعة وتنشر التوعية الثقافية بين الطالبات وأهمية هذه الهواية وفوائدها للطالبة أثناء تلقيها الدراسة وبعد التخرج وفي وقت الفراغ لأي مرحلة من مراحل عمر الإنسان حتى يواصلن هذه الهواية ويكن في المستوى المطلوب منهن عندما يأخذن دورهن في المجتمع كربات بيوت وراعيات أسر..
وليس من شك في ترابط العمل بين جمعيتي الصحافة والمكتبة.. فالكتابة النافعة تحتاج إلى اطلاع مستمر وصبر متواصل على تنمية المواهب واغنائها بالمطالعة المخلصة الواعية..
وخلاصة القول فإن وظيفة المدرسة التربوية في تكوين شخصية الطالبة وتنميتها حتى تكون كالصورة التي تحتاجها إليها مجتمعها في خدمة رسالة الانسانية لهي من الأهمية بمكان وبإمكان المدرسة أن تستخدم أسلوب التشجيع والمكافأة وإثارة الحماس والمنافسة البناءة من أجل تحقيق ذلك الهدف النبيل الذي يخلق المواطن الصالح الذي يتسلح بالخلق القويم والعلم النافع والأدب الفاضل..
هيام ملقي
|