لا شك أن للغةِ العربيةِ الفصحى أهميةً كبيرةً؛ فهي الوعاءُ الحقيقي لهذا الدين، وبها نزل القرآن الكريم، والابتعاد عنها يؤدي حتماً الى البُعد عن الفَهْمِ الصحيح للآيات القرآنية ومعانيها، فكثيراً ما نسمع مَنْ يقول في معنى عصبة في الآية {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} بأنها من التعصب، وهذا خطأ؛ فالعصبة هي الجماعة، وشتان بين المعنيين.. وهذا الفَهْمُ الخاطئ لمعنى الكلمة يؤدي إلى تغيير في معنى الآية الكريمة. إنَّ الناظر لحال شبابنا اليوم يرى ابتعاد بعضهم عن اللغة العربية الفصحى، ووصفهم لها بالصعوبة والتعقيد، وعدم قدرتهم على التحدث بها ولو لدقائق معدودة، ولا أزكي نفسي.. فقد كنت إلى وقت قريب من المؤيدين لمقولة ان اللغة الفصحى معقدة صعبة التعلم، حتى وصلتُ الى درجة اني كرهت اللغة العربية في مرحلة من المراحل.. ومن باب ان الوقاية خيرٌ من العلاج، يجب علينا ان نبحث عن الاسباب التي أدت الى هذا البُعد عن اللغة الفصحى وصعوبة تعلمها لدى البعض، ومحاولة تداركها وعلاجها.
فمن وجهة نظري الخاصة أرى أن المناهج التعليمية للغة العربية وطريقة تدريسها كرست نظرية صعوبة تعلم اللغة العربية بشكل كبير، حيث اعتمدت على اسلوب التلقين والحفظ للقواعد دون التطبيق العملي لها، كأن يطلب المعلم من الطلاب التحدث باللغة العربية الفصحى بعد نهاية الدرس أو كتابة مقالة او قصة يستخدم الطالب في كتابتها ما تعلمه من قواعد في هذا الدرس.. لقد اعتدنا على دراسة القواعد وحفظها، وبعد الامتحان ننسى معظم ما تعلمناه من هذه القواعد، فلو تم تقسيم حصص مادة النحو مثلاً إلى قسمين: قسم يكون لدراسة القواعد، والقسم الآخر لتطبيقها تطبيقاً عملياً، سوف يؤدي ذلك الى ترسيخ هذه القواعد والارتقاء بمحصلة الطالب اللغوية، وبذلك تتلاشى صفة الصعوبة والتعقيد عن اللغة العربية الفصحى. إن الاعتماد فقط على دراسة قواعد اللغة ليس تعليماً للغة، فالطريقة الصحيحة لتعلم اللغة هي التخاطب.. فعن طريق التخاطب يتعلم الطفل اللغة ويتقنها دون ان يتعلم أية قاعدة من قواعدها، فهو يقلد ما يسمعه من حوله، حتى إذا أخطأ نجد مَنْ حوله يكررون له الصواب دون شرح قاعدة لغوية.. ولكن نظراً لقلة مَنْ يتحدث الفصحى حول الطالب نجد صعوبة في استخدام طريقة التخاطب، ولكن هناك طرق أخرى تقوم مقام التخاطب كقراءة القرآن الكريم والنصوص الأدبية قراءة متأنية وواعية.. ومن الملاحظ في معظم مدارسنا عدم تشجيع الطلاب على القراءة، فمكتبات المدارس غالباً ما تفتقر نوعاً ما الى الكتب الهادفة والتي تساعد على صقل شخصية الطالب وتنمية مداركه العلمية واللغوية، كما ان وجود المكتبات في بعض المدارس يعتبر صورة شكلية فقط.. فما الفائدة من وجود مكتبة لا يستفيد طلاب المدرسة منها؟!.
وقد يقول البعض إن مادة المطالعة تفي بالغرض.. فنقول: اذا كانت تفي بالغرض فلماذا هذا الضعف الواضح في اللغة العربية لدى الطلاب وهم يقرؤون هذه المادة منذ صغرهم؟.. كذلك معلم المادة له دور كبير في ترغيب الطلاب وتشجيعهم على حب اللغة العربية، فطريقة تعامله مع الطالب تؤثر تأثيراً كبيراً في تقبله للمادة او تنفيره منها، وهذا هو سبب كرهي للغة العربية عندما كنت في المرحلة الابتدائية، وهي أهم المراحل التي تحدد توجه الطالب وموقفه من المادة.
كذلك لابد من الابتعاد عن اسلوب التلقين والاتجاه الى اسلوب الحوار الهادف بين المعلم والطلاب، فنتخلص بذلك من الملل المصاحب للتلقين، وهذا من اهم الاسباب التي ادت الى تغيير نظرتي للغة العربية الفصحى.. فلتكن اللغة العربية الفصحى هي لغة الحوار والتخاطب فيما بيننا.. والله الموفق.
|