Tuesday 21st December,200411772العددالثلاثاء 9 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

قراءة في ديوان فرسان المجد للشاعر خالد عبد الله محمد المطوع قراءة في ديوان فرسان المجد للشاعر خالد عبد الله محمد المطوع
جاك صبري شماس *

قال في مقدمة الديوان سمو الأمير تركي بن بندر آل سعود : (خالد عبد الله المطوع صوت شعري جديد ، يصرخ من أعماق الأرض وينبت في واحات نجد شامخا كشموخ النخيل ، يستاف عبق الصحراء المبللة بأنفاس الجود والعزة والشهامة والكبرياء .. لقد امتطى الشاعر صهوة القصيدة وأسرج حروفها بكل ثقة وجدارة ، إنه ولا شك فارس من فرسان الكلمة).
رفل الشاعر عباءة الخليل بن أحمد ، وكان جديراً بهذه العباءة التي تذكرنا بأجدادنا الشعراء الفحول ، الذين تركوا الأثر البالغ في شفاف أبناء الأمة العربية ، وحلق إبداعهم في الجزيرة العربية وعلى مدارج الجامعات في الغرب وتناولتهم أقلام المستشرقين ، والشاعر خالد المطوع هو حفيد هؤلاء الأجداد الجهابذة في شكل القصيدة ومضمونها في حروفها ومعانيها وموسيقاها ، ولما كانت سنة الحياة غير ثابتة وإنما متجددة ومتغيرة ، فقد تراوحت ألفاظ الشاعر بين الجزالة والسلاسة ، والفخامة ورقة اللفظ في أسلوب شاعري تأسر فيه البلاغة القارئ ، وتسحره الاستعارة والمعاني النبيلة السامية التي تتشح بمعالم المجد حكمة وفروسية ونخوة ، مآثر ومناقب للأسرة السعودية الحاكمة التي أرست كيان المملكة العربية السعودية ، وجعلت منها منبرا مشرفا يطل على بوابات العالم بالتقنية والمعرفة والتخصص ، لتكون درة الوطن العربي بفرسانها .. وقد عبر الشاعر في إهدائه عن حبه وولائه ووفائه وعشقه لوطنه الغالي ، وهو يقول : (وليسمح لي خادم الحرمين الشريفين أن أرفع باقة أشعاري تحية لمقامكم الكريم ، فإلى تلك الأيادي البيضاء أهدي ديواني ، هذا بما يحمله من حب وتقدير لمقامكم الفاضل).
يفتتح الشاعر باكورة إنتاجه الشعري بأول قصيدة في ديوانه تكريما إلى روح المغفور له الملك عبد العزيز آل سعود الذي وهبه الله الحكمة والصبر والشكيمة والعزم والشمائل العربية ، متحديا النوائب وواقفا شامخا وهو يوطد أركان أمته ، فكان لابد للمجد أن يتبع ظله أينما كان ، وللسجايا أن تنتسب إليه.
يقول الشاعر في قصيدته (أشبالك الأتون من صلب القنا) :


مجد به مجد المعالي ينتمي
وإلى يمينه كل مجد ينتمي
ملك تلوذ به الملوك مهابة
وبعزمه وبجوده كي تحتمي
سمح الخلائق للأعادي عاصيا
يقري الضيوف وللعدا كالعلقم
جلد على نوب الزمان ومؤمن
ساع إلى الأمجاد دون تألم
فدعاؤنا قبل الصلاة وبعدها
رحم الإله رفات تلك الأعظم

ويجسد الشاعر مناقب الملك فيصل بن عبد العزيز آل سعود ، الذي كان مناصرا للحق العربي ومدافعا عن العروبة والإسلام ، ومتضامنا مع أشقائه العرب في محنتهم ، مما يؤكد الرابطة العربية الوطيدة وعلى حسه المرهف المتعلق بقضايا الوطن ، مكرسا العدل والجود ، ومتحليا بالتواضع وهذه الصفة من سمات العلماء الزاهدين ، ولا غرابة في الفارس الراحل الذي نقش في سفر الإباء والنخوة والشكيمة أسمى معاني النبل يقول الشاعر في قصيدته (أهديت بالعلم للأنثى نضارتها).


يا فيصل الحق والسلام والعرب
يا شعلة المجد والأخلاق والنسب
فهو القوي إذا الأعداء قد عصفوا
شرا ينال حقوق القدس والعرب
لما تمادوا بخنق النيل أو بردى
هب احتجاجا بقطع النفط لم يهب
أهديت بالعلم للأنثى نضارتها
حتى تربت على الأخلاق والأدب
ذكر الكريم إذا فاحت مكارمه
خير من الدر والياقوت والذهب

إن المتتبع لقصائد الشاعر يلحظ بتأثره بالقرآن الكريم والحديث النبوي ، مما يجعله قادرا إلى إظهار الدلالات ، بحيث لا تستغلق على أفهام الناس ، ولذلك قال الجاحظ : (للعرب أمثال واشتقاقات وأبنية وموضع كلام يدل على معانيهم وإراداتهم ..).
ومن الطبيعي أن يستأثر الشاعر أيضا بالتراث العربي وينهل من ينابيعه ، ثم يسكب ألفاظه في قالب شعري يصوغه وفقا لتطلعاته وتفردا بشخصيته الشعرية المتميزة .
ولا يسلو الشاعر مقام صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الذي زرع في الرعية المحبة والإخاء والشكيمة ، وشجع على انتشار الثقافة والتسلح بالعلم ، لأنه يعرف أن الأمة لا يمكن لها أن تنهض دون الوعي والمعرفة والأخذ بأسباب العلم.
يقول الشاعر (لك في السباق بيارق خفاقة) :


روضت الميدان أعناق الردى
وجعلت من شمس الربيع ذلولا
فبكم سلام القدس أضحى واضحا
لا يقبل التلوين والتأويلا
لك في السباق ببارق خفاقة
فاقت خيولك في السباق خيولا
يا سيد الأمراء يا تاج العلا
يبقى لولاؤك بالعلا موصولا
كل القصائد أسرجت فرسانها
تشدو يذكرك بكرة وأصيلا

كان الشاعر خالد يرسم في ممدوحه المثالية الخلقية الرفيعة التي تقدرها الجماعة ، وما كان مؤثرا في حياة عصره ، وما شارك في أحداث ، ويستنبط الشاعر معاني رائعة في السماحة والكرم والحلم والحزم والمروءة والعفة وشرف النفس وعلو الهمة والشجاعة والبأس ، وقد جسدها في الممدوحين نسيما قويا ، وبذلك يظهر تأثير المدحة وما تبثه في الأمة من تربية خلقية قويمة وحافزا على الفضائل والمكارم الرشيدة ، وقد خص الشاعر في قصيدته (في منتداك يفوح الشعر مزدهرا) سمو الأمير الشاعر سعود بن محمد بن عبد العزيز آل سعود بقوله :


يا فارس الشعر دُم للشعر يكرمه
يراعك الماهر المشفوف من عسل
ترقى وتلقى بحور الشعر مؤتلقا
فوق القوافي وفوق الوزن والجمل
يا عاشق الصيد والأمجاد يا بطلا
ويا سليما من النقصان والعلل
في منتداك يفوح الشعر مزدهرا
والأمسيات قناديل من الشعل
لكم مكان مدى الأيام يحضنكم
في مهجة القلب في الشريان في المقل

ويتألق الشعر ويحلق في فضاء الإبداع وهو يرسم لوحات جميلة أخاذة ، يرفدها الفنان التشكيلي حسن حمدان باللون والدفء والحركة وعراقة التاريخ العربي وتليد الأسرة السعودية الحاكمة ، مما يحدث نوعا من التناغم والانسجام ما بين لوحات الفنان حسن وقصائد المبدع خالد ، ولاشك أن مثل هذه المشاهد المشتركة بين اللون والحرف تبعث الراحة في العين ، وتقربها من تجسيد المعنى الذي أراده الشاعر في قصيدته (سلطان أنتم ضياء المجد يغمرنا) ، وهو يزفها هدية متواضعة لصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز آل سعود في مطلع قصيدته التي امتازت بالجزالة والمتانة وقوة الصياغة ، وهي قوله :


لك المطالع والأمجاد والظفر
وخافق ما سرى في نبضه ضجر

يذكرني مطلع قصيدة خالد من حيث الجزالة بالشاعر العربي الكبير محمد مهدي الجواهر وهو يقول :


لك القوافي وما وشت مطارقها
تهدى وما استن مهديها وما اعتلقا

ويتابع الشاعر خالد تتمة قصيدته في سمو الأمير سلطان المكرم قائلاً :


هذا الحجاز إذا مست ضفائرها
يزلزل الأرض بركان فتستعر
إنا ألفناك مثل النخل في كرم
يجود منه علينا الظل والثمر
أنت النشيد الذي ألحانه قبس
على الشفاه تجلى وانتشى الوتر

وتهطل سحائب الإبداع في قصائده الشعرية ، وهو يجل كوكبة من الأمراء الذين لهم بصماتهم الحضارية المشعة ومآثرهم وسجاياهم وعراقتهم وما خلفوه وتركوه في وجدان المواطن العربي من قيم عربية نبيلة ، تفوح سموا وحبا وشموخاً .. لقد أبقى الشاعر للشعر العربي على شخصيته الموروثة يدعمها دعما بما لاءم بينها وبين الحياة العقلية الخصبة وذمة المتحضر المرهف وتجديد يقوم على التواصل الوثيق.
بقي أن أقول لأخي الشاعر المبدع خالد عبد الله المطوع : (لقد حلقت في قصائدك ، وإن كان هناك بعض التباين في القوة والجزالة والمتانة في القصيدة بما يخص أبياتها وذلك شيء طبيعي ، حيث تزداد التجربة نضوجا وخبرة وتألقا وأن المتلقي يجد أن هذه القصائد المنثورة في الديوان تدل على أن الشاعر مطبوع ، ولا يخال أبدا أن هذا الديوان هو الأول ، وهذه شهادة تكون في صالح الشاعر وتحمله الكثير من الجهد والعناء في متابعة تألقه في فضاء الإبداع وتجعله يحمل ريادة الشعر العمودي.
(*) عضو اتحاد الكتاب العرب- سوريا - الحسكة - ص ب 204


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved