يبدو أن الرياضة تصلح ما تفسده السياسية، وأنها أيضاً تلم ما تفرقه، فقد أصبحت جزءًا مهمًا من حياة الشعوب، خصوصًا عندما تصبح على مستوى المنتخبات الوطنية، بدليل ما نرى من ولع الناس وشغفهم بمتابعة مسيرة المنتخب الوطني خصوصًا في دورة الخليج.
نجتمع جميعًا حول التلفاز، نتباشر بالنتائج الجيدة، ونحزن على الهفوات، بل إن بعضنا يقاطع الأكل وينعزل حتى تذوب آثار الخسارة بالأمل في تحسن قادم.
هذه المشاعر هي اختصار لما يحدث في بيوت أكثر السعوديين، ورغم أن دورة الخليج تأتي في ظروف أليمة نتيجة ما تعرضت له البلاد من جرائم الإرهاب، إلا أن الشغف بقي كما هو، ولي أن أسأل: أليس هذا المداد جزءًا من طبيعة الانتماء، وأن شبابًا كثرًا يذهبون إلى الشوارع يعبرون عن فرحتهم وتفاعلهم من دون وصاية من أحد، بعيدًا عن المراءاة والتمجيد؟ أليست هذه مشاعر تلقائية تعبر عن شيء دفين؟
هذا هو مربط الفرس كما يقال، وهو نقطة أريد بها أن تصل إلى عمق المفهوم، كما أن ركود الحياة بكل أرقها لا يمكن له أن يتواصل ما لم نربط هذا الإنسان بمثل هذا الحماس، كيف وقد فتح باب الانتخاب، رغم أن التفاعل لا يزال باهتًا، عطفًا على ثقافة عامة لم تعتد عليه أو تتفهمه، لكنه سيأتي حتمًا.. هذه كلها بوادر لتوسيع المشاركة واستغلال شغف الناس بالمخاطبة والمشاركة المباشرة المتعلقة بالقواعد العريضة من الجماهير، الذين هم أولاً وأخيرًا مواطنون. كيف لنا أن نعيد هذا الألق، وأن تفتح الصناديق للاقتراع، ويزداد الوعي وتتسع هوامش الحرية النظيفة وأن نؤمن بأن الحياة رغم تقلباتها يجب أن تمضي.
نريد فقط دفعًا إلى الأمام وليس إلى الخلف. نريد ثقافة اجتماعية تحترم غيرها، وتؤمن بالتعدد، وتلغي جوانب الانغلاق التي ظلت عليها زمنًا طويلاً، ولا تلام أبداً في ذلك. ومطلوب أيضًا أن تفتح قنوات الابتكار، أن ينشغل الناس بأمنهم كما هو داخل منازلهم. كلها بوادر تزيل هذا الجفاء والتخبط في المفاهيم.
هناك جذوة موجودة بالأساس، تبدو في تعلق الجماهير العريضة بمنتخب بلادها، يجب أن تستغل وأن تتبادل مع الجهات المسؤولة، إذا أخذت في الاعتبار أن من يشرف على المنتخب الوطني أو الكرة بشكل عام هو مؤسسة حكومية خالصة، كيف لا تستنسخ الفكرة في قطاعات أخرى وتطبق؟
وثمة حاجة أيضًا إلى إشراك الناس بمصادر حيوية تتعلق بالشأن الحياتي كما هي شؤون التنمية وارتفاع مستوى الوعي وتطوير المهارات للفرد، وأهم من ذلك استيعاب هذا الكون الذي يغلي بهمومه ولقمة عيشه.بقي أن نسأل: كيف لنا أن نشغل الناس بمقدوراتهم ومصائرهم، وأن نشعرهم بأنها بوتقة واحدة يجب أن تنصهر، لينصرف البعض عن دوائر العبث التي تستغلهم، وأن نشعرهم بأنهم جزء متكامل من وطن واحد لا يفرق بين مواطن وآخر؟
|