Tuesday 21st December,200411772العددالثلاثاء 9 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

في بيان حول هلال شهر شوال.. الشيخ اللحيدان: في بيان حول هلال شهر شوال.. الشيخ اللحيدان:
على المجتهدين في أمر رؤية الهلال ترك الأمر لمَن ولاهم ولي الأمر ذلك الشأن

* الرياض- واس:
صدر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى بياناً بشأن هلال شهر شوال لهذا العام 1425هـ. وفيما يلي نص البيان:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومَن اهتدى بهداه.. وبعد:
فقد كثر في شهر شوال هذا العام 1425هـ الحديث عن دخول هذ الشهر، وكُتب عنه في الصحف، واستنكر أناس قبول شهادة مَن شهدوا برؤية الهلال بناء على الزعم بأنه لا يمكن أن يظهر ليلة السبت، وأنه لن يولد إلا بعد الغروب بوقت غير قصير من مساء الجمعة، وتحدث بعض من الناس عن فوات مصالح مالية لأهل الأسواق، وصار لمز وهمز ممن ليسوا من أهل العلم في الشريعة، وتعدى ذلك إلى كتابات غير صحفية فيها تكذيب للشهود وكأن أمر الصيام والإفطار يخضع للآراء والرغبات، أو أنه لا يتعلق بعبادة تحكمها نصوص الشريعة، وهي من أركان الإسلام، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعطِ ذلك الأمر ما يستحقه من البيان، أو أنه لم يصدر أمره الحاسم صلوات الله وسلامه عليه أو نهيه القاطع بشأن بدء صيام الشهر وانتهائه، إلى غير ذلك من الاحتمالات. لذا فإن هذا البيان - إن شاء الله - سوف يشتمل على إيضاح أرجو أن يكون مقنعاً لطالب الحق الراغب بمعرفته بصدق، ومرشداً للحيران الذي لم يعرف كيف يهتدي للطريق فيما يلتبس عليه من الامور، والله سبحانه هو الهادي واليه أمر العباد، وإنما يعتب الواحد على من يتعجلون بتغليط الآخرين أو يكتبون ما يربك العامة في أمر دينهم، والله أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ببيان أحكام دينه، وحذر من مخالفته، قال سبحانه في كتابه بشأن رسوله صلى الله عليه وسلم: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}، وقال جل من قائل: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}، وقال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى}. فالله سبحانه جعل بيان أحكام دينه إلى رسوله الذي أرسله هادياً ومعلماً وأمر الناس بمتابعته والاهتداء بهديه، وقد قال الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين منبعدي)، وحذرنا من محدثات الامور، وبين أنها ضلالة وصد عن سبيل الله. ومعلوم ان النبي صلى الله عليه وسلم قد بين ما يكون به دخول رمضان وخروجه، وأنه برؤية الهلال، وبين أمر الصيام ابتداءً وانتهاءً، وذلك بأتم بيان وأوضحه، وربطه بالأهلة التي قال الله فيها: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجَِّ}. فالله سبحانه قد جعل اوقات فرائض الإسلام من صلاة وصيام وحج مرتبطة بأشياء محسوسة يشترك في معرفتها كل من أحسن مراقبة تلك العلامات، وكلها متعلقة بالشمس والقمر، وجعل الأهلة مواقيت يعرف بها بدايات العقود ونهاياتها إذا ربطت بالأشهر كما هي مواقيت ركنين من أركان الاسلام الصوم والحج، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الفصل في هذا الموضوع.
وقبل ذكر أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن أذكر أنه لا يشترط للرؤية العين المجردة كما قد يوهم ذلك المعترضون على نفي اعتماد الحساب لإثبات دخول الشهر، بل لو رؤي بمكبِّر أو في مرصد بواسطة من تقبل شهادته اعتبرت رؤيته، وهذا أمر مقرر من أكثر من عشرين سنة في مجلس القضاء الأعلى كتابةً إثر مناقشة حول أمر الهلال، فإذا زعم أحد أن المجلس لا يقبل الرؤية إلا بعين مجردة فذلك قول لا صحة له اطلاقاً، ونبي الله قال عليه الصلاة والسلام عن الهلال: (إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا؛ فإن غم عليكم فاقدروا له) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. وفي لفظ قال: (لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه؛ فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين) متفق عليه. وفي لفظ لمسلم: (فصوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين). وروى البخاري ومسلم: (إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطرو؛ فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين يوماً).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته؛ فإن حال بينكم وبينه سحاب فكملوا العدة ولا تستقبلوا الشهر استقبالاً) رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي.
فما سبق من الاحاديث هي بعض ما ورد في أمر اعتماد رؤية الهلال في ابتداء الشهر وانتهائه، وما لم أذكره ففي معنى ما ذكرت، كما ان كلام العلماء في هذا الامر واضح صريح في أن الاعتبار انما هو برؤية الهلال لا بحساب الحاسب، وهذا الأمر تلقته الأمة بالقبول، وحصل عليه اجماع الصحابة والتابعين وأهل القرون المفضلة، واذا كان من المعلوم لدى كل مسلم ان الدين كمل في حياة محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه صلوات الله وسلامه عليه قد بين اصول الدين وفروعه وترك لنا محجة بيضاء واضحة المعالم مَن سار عليها أمن العثار، وربنا جل وعلا لن يسألنا الا عما شرعه لنا في كتابه أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ اذ فيهما الغنى التام عن كل ما سواهما، وليس احد بمستغنٍ عنهما، كما أنه لا يعرض عنهما إلا من سفه نفسه وأضاع نصيبه.
ولأن حديثي عن هلال شوال هذا العام وما قيل عن الرؤية من استنكار فقد كنا عالمين بما قاله المتحدثون عن علم الفلك وما زعموه من استحالة الرؤية، وكان متقرراً لدينا أنه لا بد من تحري الرؤية، وتم ذلك. ولما مضى قرابة نصف ساعة بعد الغروب بدأت الاتصالات الكثيرة، منها سائلون عن الهلال من الداخل والخارج، ومنها عن الإنباء بالرؤية، وقد شهد ثلاثة شهود عدول لدى محكمة حوطة سدير مؤكدين رؤية الهلال، ثم شهد شاهد في القصيم، ثم شهد أربعة في القويعية، ثم حضر بعد ذلك عدد من الشهود لدى محكمة القويعية، وحضر اناس إلى محكمة الرياض بعد ان صدر القرار من المجلس بثبوت دخول الشهر، والعدد الذين بشهادتهم صدر القرار ثمانية، والذين استغني عنهم بمن سبقهم أكثر من العشرة لما حضروا إلى المحكمة، كما بلغنا أنه رؤي في أماكن اخرى، كما حضر شاهد إلى مجلس القضاء الأعلى يفيد بأنه رأى الهلال، وحضر غيره لمحكمة الرياض. وفي يوم العيد مساء السبت رؤي الهلال عالياً ومكث يُشاهد إلى الساعة السادسة إلا عشر دقائق، ويتوقع ألا يغيب إلا الساعة السادسة. فإذا كانت النصوص التي سبق ذكرها قد صدرت عن المبلِّغ عن الله رسالاته المأمور بأن يبين للناس ما نزل اليهم من ربهم وربنا سبحانه أمرنا بطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وحذرنا من مخالفته، ونبينا قال عليه الصلاة والسلام: (الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون) رواه الترمذي عن أبي هريرة. وفي حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: (الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس) أخرجه الترمذي. ونبينا عليه السلام قال: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب، الشهر كذا وكذا ثلاثاً، حتى ذكر تسعاً وعشرين). وفي بعضها: لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه.. إلى آخره.
وأوضح العلماء معنى لا نكتب ولا نحسب؛ أي أننا لا نعتمد لعباداتنا الحساب والكتابة، وإنما نعتمد ما أمرنا به الصادق المصدوق طاعة لله سبحانه واعتقاداً منا أنه الحق، وذلك قول عامة أهل العلم المقتدى بهم وحكاه عدد من العلماء اجماعاً، وقصد من عده اجماعاً أن المخالف لا اعتبار له، وذلك لأن عامة من يؤخذ عنهم العلم ويقتدى بهم من ائمة الإسلام في المذاهب الأربعة وعامة أهل الحديث قد اطرحوا الحساب وأعرضوا عن اعتباره.
إنني أنصح مَن كتب في الصحافة أن يكف عن الحديث عن رؤية الهلال وعن إمكانها أو عدمه، وأن يتركوا أمر رؤية الهلال لمن ولاهم ولي الأمر ذلك الشأن، وبحول الله فإنهم لن يدخروا وسعاً يبرئ الذمة، وهم ناصحون للأمة محبون للسنة حريصون على ما يحقق للناس أداء عباداتهم على أساس صحيح، يتحرون ويناقشون الأمر ويعملون بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. والعامة اذا سمعوا أو قرأوا دعوى استحالة رؤية الهلال صار عندهم حرج إن ثبت دخول الشهر، والجرائد تقول إنه لن يهل، واذا كان لدى احد إشكال فدواء الإشكال السؤال. وأرجو من كل مَن كتب ألا يكرر ذلك، وألا يكون سبب تشويش على الناس في عباداتهم؛ فقد درج الناس من عهد الصحابة رضي الله عنهم على ذلك، واستمر الناس عليه في جميع عصور الإسلام الزاهرة، بل وحتى في الأعصر الأخيرة، وفي هذه المملكة في كل أدوار الدولة السعودية ولله الحمد. وكان علماء البلاد يرون أن لا محيد عما كان عليه سلفنا رضي الله عنهم ومشائخنا الذين صارت اليهم أمور الإفتاء والقضاء، ساروا على ذلك وشددوا في المنع من اعتبار الحساب مرجعاً للصيام والإفطار والحج، وكتبوا في ذلك، ومَن أحب الاطلاع فليرجع إلى فتاوى الشيخ محمد بن ابراهيم آل الشيخ وفتاوى تلامذته، ومن أبرزهم الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد والشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمهم الله جميعاً ورحم أشياخهم وتلامذتهم وعلماء الإسلام وكل من مات لا يشرك بالله شيئاً شاهداً أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ثم إنني أنصح طلبة العلم بعدم التعجل أو الوقوف بموقف رادِّ السنة، وأن يراجعوا كلام علماء الأمة الذين نقلوا الاتفاق والاختلاف وأقوال السلف من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وبينوا أن الذي عليه أهل الدراية والرواية وهم الأئمة في الدين منع الاعتماد على الحساب في دخول الشهر وخروجه، وممن أنصح بالرجوع إلى كتبهم ابن عبد البر في التمهيد والاستذكار، وقبله ابن المنذر والقاضي عبد الوهاب المالكي ومَن تلاهما، وشيخ الإسلام ابن تيمية في الجزء الخامس والعشرين من الفتاوى، وشراح الحديث كابن حجر والنووي، وولي الدين العواقي في طرح التثريب، والعيني في شرح البخاري، وأمهات كتب الفقه. ومن الشروح المتأخرة شرح مشكاة المصابيح للمباركفوري، وشروح الترمذي وأبي داود لعلماء الهند، وغير ذلك. وفي كل تلك الكتب لطالب الحق ما يشرح صدره ويقر عينه ويوضح له الطريق العلمي الآمن، كما أن أهل الحساب مختلفون في تحديد وقت الرؤية وفي دخول الشهر، وهو خلاف قديم وحديث وحكايات اجماعهم لا حجة فيها؛ فإن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله ثم اجماع علماء الأمة. أما خلاف أهل الحساب في حسابهم فلا يضيرنا، كما أن اجماعهم لو صح ليس بحجة تقارع به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يتعسف لرد شهادة مَن تثبت عدالته بدعوى توهيمه في دعوى رؤية الهلال، وقد شنع علماء الاسلام على من رد شهادة الشهود لمخالفتها في نظره حساب أهل الحساب، وعامة من ينقل عنه العلم لا يرى سوى اعتماد الرؤية، وقال العيني: إن هذا مذهب جمهور فقهاء الأمصار في الحجاز والعراق والشام والمغرب وعامة أهل الحديث.
إنني أكرر نصحي لإخواني المنتسبين إلى العلم الشرعي ألا يتجرؤوا على مخالفة السنة القولية والعملية، وألا يظهر منهم ما يجرِّئ العامة عليها؛ فقد يغتر بهم من يحبون أن يتحدثوا في كل شيء ولو فيما لا يحسنون. أما المستنكرون لشهادة الشهود أو اثباتها والمقررون أن القمر لن يولد فأحب منهم ترك هذا الأمر، وأن يسألوا أهل العلم المعروفين بعلمهم، وأن يعرضوا الجواب على كتاب الله وسنة رسوله، وأن يكونوا في منأى عما هو منوط بغيرهم، فلا حرج عليهم، واذا كان الخلاف متعلقاً بالعبادات فالفصل فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا حرج عليهم؛ فإن الفطر يوم يفطر الناس بنص سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه كلمة أرجو ان يكون فيها ما يريح الخواطر ويوقف الخوض في أمر المرجع فيه إلى نصوص الشريعة، وقد سبق لي كتابة بهذا الشأن منذ ستة عشر عاماً عندما حصل اعتراض على اثبات الرؤية، ونشر ما كتبت في الصحف، ثم أعيد نشره في مجلة البحوث الإسلامية في العدد السابع والعشرين، وهو أوفى من كتابتي هذه، وإن كان فيها شيء لم يكن في تلك الكتابة، وأسأل الله لي ولإخواني السداد في الأمور كلها والاحتساب في هذا العمل، وأن يكون ما كتبته نافعاً لي ولمن يقرؤه، وأرجو ممن قرأه أن يدعو لي بالتوفيق لإصابة الحق؛ فإن المسلم اذا دعا لأخيه بظهر الغيب وكل الله به ملكاً يقول: ولك مثل ذلك كلما دعا.. والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

رئيس مجلس القضاء الأعلى
صالح بن محمد اللحيدان


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved