Tuesday 21st December,200411772العددالثلاثاء 9 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

عشرون شهراً والعراق يهرول إلى الخلف!! عشرون شهراً والعراق يهرول إلى الخلف!!
د.حميد عبد الله ( * )

ما يحدث في العراق ليس نتاجا للزلزال الذي ضربه، ولا نتيجة لتراكمات عقود القهر والكبت والتكميم، ولا إفرازا لما حل به بعد الاحتلال، ولا تفاعلات لخلطة كيمياوية امتزجت فيها عناصر غير منسجمة مع بعضها، لم يجمعها مختبر واحد من قبل، ولا جرّبَ الكيمياويون نتائج تفاعلاتها.. بل هو قبل هذا وذاك مخطط مرسوم بعناية، وتدبير خطط له بدقة، وسيناريو صِيغَ بخبرة وذكاء!
أُريدَ للعراق أن يتخلى عن مكانته، ويترك دوره، ويغترب عن محيطه وبيئته، وينسلخ عن تاريخه، فالعراق هو (بروسيا العرب) حكمه نوري سعيد أم عبد الرحمن عارف أم صدام حسين، وهو القلب النابض في منطقته وإقليمه وأمته مهما كانت هوية نظامه السياسي، لان البلدان تحددها هويات شعوبها وليس أنظمتها، وهوية شعب العراق عربية عروبية إسلامية، وكل واحدة من هذه الصفات تزعج طرفاً دولياً، وتهدد طرفاً آخر وتحجم أطرافاً وجهات أخرى، لذلك فإن المطلوب أن يبقى العراق على الرصيف كماً مهملاً لا نوعاً مؤثراً، وأن يبقى مفعولاً به لا فاعلاً، أن يبقى مبزلاً لا نبعاً أو شلالاً, وأن يصير حاوية أزبال لا حقلاً زاهراً وزاهياً بالخضرة والثمار اليانعة.
لهذا وذاك من الأسباب حلَّ بالعراق الذي حلَّ، أما من كان وراء ذلك فالكل أبرياء أو أنهم أعلنوا براءتهم لكنهم عجزوا عن إثبات تلك البراءة، والكل تظاهروا بالحرص على صحة العراق وعافيته، لكن الجميع أسهموا - ومازالوا - في جعل العراق مريضاً والإبقاء عليه متدهورا!
عشرون شهراً مضت على الاحتلال، والعراقيون لم يلمسوا ما يوقف وطنهم عن الهرولة إلى الخلف، وصار جُلّ طموحهم أن يوقفوا التراجع ويكبحوا التدهور ويضعوا حداً للانهيار، لكنهم لم يعودوا قادرين على فعل ذلك!
إن من يخرج من بيته في الصباح لا يعلم ما إذا كان سيعود أم سينقل جثة إلى الطب العدلي؟ وإذا ما عاد إلى عائلته هل سيجد أفرادها متكاملين أم أن أحدهم قد فقد أو خطف أو قتل؟ وإذا نام هل يصلي الفجر أم يقضي الله أمراً في منتصف الليل بسبب صاروخ ضل سبيله أو عصابة تبحث عن مغنم سهل؟؟!
لقد أثخن الجسد العراقي في الجراح، ومازال الساديون لم يشتفوا منه بعد، فالأكراد يرون في غياب حكومة مركزية قوية وحازمة فرصتهم لقضم كركوك التي اسماها قادتهم القدامى - الجدد - (قدس كردستان)، وبعض قصيري النظر من (الجنوبيين) رفعوا عقيرتهم بالدعوة إلى انفصال الجنوب لتتأسس هناك دولة طائفية تتكئ شرقا على ذراع الجارة المسلمة، وبعض المهووسين في السلطة استثمروا ضعف بغداد فأعلنوا نيتهم بالانفصال عن عاصمة الرشيد وتشكيل (جمهورية الفرات الأوسط الديمقراطية الشعبية)، ثم أكمل الأمريكان الفكرة فأضافوا لها جمهورية رابعة أسموها (جمهورية المنطقة الغربية) التي تضم الرمادي وتكريت، إما بغداد وحافاتها وتخومها فهي القلب الضعيف الذي يراد له أن يضمر ويضعف ويصاب بالعجز والوهن ثم يموت لأن بغداد تغيظ الكثيرين بتاريخها ومواقفها وهيبتها!!
الجميع يعلمون أن العراق قد صار غنيمة يتقاسمها الغزاة مع من مهدوا لهم الطريق، وجملوا لهم الصورة، وسهلوا لهم المهمة، وبرروا لهم الغزو، والجميع يعلمون أيضا أن العراق غدا أشبه بمريض بداء مستعص يتناول أقراصا لتهدئة الصداع، فيظل المرض يفتك به ويأكله على مرأى من أطبائه الذين قد جهزوا كل شيء لإتمام مراسيم الجنازة والدفن!!
المشكلة أن المكابرة قد سيطرت على البعض، فراحوا يخدعون أنفسهم بأن ما يجري ليس سوى مرحلة انتقالية وان التفخيخ والقتل المجاني والمجازر والفوضى والانفلات والضياع والفساد إنما هي مستحقات واجبة الدفع ضمن فاتورة الحرية!
غير أن الحقائق على الأرض تقول بملء فيها: إن كل من أرادوا تغيير حال العراق أصدروا إيعازاً خاطئاً.. فبدلاً من أن يقولوا للعراق: (إلى الأمام سرْ)، قالوا له: (إلى الوراء درْ).. فيا ويلتاه.

( * ) كاتب وصحفي عراقي


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved