بعيداً عن السجال الجميل الذي حصل بين الكتاب في صحافتنا المحلية على مختلف مشاربهم، بخصوص صدى اكتشاف جريمة الرشوة في وزارة الصحة مؤخراً، أقول بعيداً عن هذا السجال الفكري المبني على المكاشفة والمصارحة الواعية تشكل لدى البعض فارق حضاري جوهري، بين مجتمعاتنا العربية والمجتمعات المتقدمة، فبعضنا في الوطن العربي ما زال يعتبر أي تصرف جميل ونبيل يصدر عن أي مسؤول كبير في أي إدارة حكومية يعده (إنجازاً) ويلبسه ثوباً فضفاضاً، بل ويجلس صاحبه على (مقعد) وثير مما يكرس الصورة المبجلة في ذهنيته كمواطن تجاه ذلك المسؤول رغم أن هذا التصرف لا يتجاوز إطار (الواجب عمله) في المجتمعات المتقدمة، وبين الموقفين مسافة لتشكل وعي حضاري، يمهد الطريق لصناعة رقابة شعبية صارمة على أصحاب الكراسي، بل ويخرج المواطن من سذاجة (الانبهار) بعمل الواجب إلى المطالبة بالحد الأعلى من الإنجاز الحقيقي في سبيل خدمة الوطن، عندما يرفع البعض صوته في مجالس الاحتفاء باكتشاف الرشوة أو غيرها من الجرائم في حق الوطن: إن ذلك العمل مهما كان حجمه لا يتجاوز حد القيام بالواجب من النزاهة لخدمة المواطن في مختلف دوائر الدولة وفضاءات (الوطن)، ولكن في طريقنا للقضاء على (الرشوة) أو ما شابهها من أمراض العصر، علينا أن نبدأ تشكيل مرحلة جديدة من (الوعي الوطني) انطلاقاً من (الطفل) نعم الطفل عندما نزرع في نفسه حب (إتقان) العمل وبُغض (التزييف) فيه، بل ونغرس في ذاته النقية (مشروعية التغيير) بدلاً من أن نحشو (دماغه) بمفرقعات كلامية تزعج الآخرين، وترضيه - عفواً - تخدّر نفسه الطامحة في التغيير بالصوت لا بالفعل.
وأخيراً نزاهة الموظف ليست ميزة، بل واجباً.
|