Monday 20th December,200411771العددالأثنين 8 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

دفق قلم دفق قلم
أمانة الناصحين
عبدالرحمن صالح العشماوي

(الناصح مؤتمن) حكمة صحيحة ثابتة على مدى الزمن، ومعنى ذلك أن أمانة الناصح عظيمة، خاصةً إذا كان في موقع الثقة ممن يستنصحه، وكان ممن يؤخذ رأيه مأخذ الجد والتنفيذ، وهنا تصبح النصيحة مسؤوليةً عظيمة لا يفرط فيها، أو يستغلها استغلالاً سيئاً إلا ذو قلب مريض، ولا يغش فيها إلا من استولى الحقد والطمع عليه، وحوّله إلى عدو لدود، يظهر في ثياب صديق ودود.
ولكل إنسان أصحاب وأعوان يميل إلى رأيهم، ويستمع إلى نصائحهم، فإذا وفقه الله إلى الصادق منهم وجد من الخير والنجاح والتوفيق فيما يقدم عليه من الأمور ما لا يخطر له على بال، أما إذا ابتلي بالمخادع منهم فقد ابتلي بشر عظيم.
ومن هنا تأتي الأهمية الكبرى لدور (بطانة ولي الأمر) لأنهم هم عينه التي يرى بها، وأذنه التي يسمع بها، وهم مكان نصحه و (عيبة رأيه)، مهما كان فهمه وفطنته وذكاؤه.
وإذا غش ناصح ولي الأمر، وصور له الأمور على غير حقائقها، فإنه - بذلك - يخون أمانته، ويسيء إلى ولي نعمته، ويكون سبباً في فساد أمور العامة والخاصة، وربما كان سبباً في زعزعة مكانة ولي الأمر في نفوس الناس دون أن يشعر، وكيف يشعر وهو يتلقى من بطانته صوراً مخالفةً لحقائق الأمور.
أما إذا صدق وأخلص ناصح ولي الأمر، وخاف الله سبحانه وتعالى فصور له الأمور على حقائقها، ودله على الوسائل الأفضل لعلاج ما يحتاج إلى علاج منها، فإنه - بذل - يؤدي أمانة النصيحة على وجهها، ويقوم بمسؤولية النصح والتوجيه على حقيقتها.
وكذلك كل ناصح لأي أحد من البشر، أو لأي جهة من الجهات، يكون لرأيه ونصيحته تأثير كبير سلباً أو إيجاباً.
وقد رُوي عن هارون الرشيد أنه قال: الناس يأتمرون بأمري، وأنا أتبع رأي فلان وفلان، يقصد بعض وزرائه ومستشاريه الذين كان يثق بهم.
ولا شك أن على كل إنسان، سواء أكان ذا مسؤولية كبيرة أو صغيرة أن يكون ذا متابعة دقيقة لشؤونه مهما لاقى من النصب والتعب، وألا يغلق سمعه عن أصوات أخرى قد تصل إليه من طريق أخرى غير طريق مستشاريه وناصحيه حتى يكون على بصيرة من أمره، فيتأكد من الأمور ويستوثق منها.
إن الناصح مؤتمن، ولا يجوز لمن وضعت فيه الثقة أن يغلب مصلحةً شخصية أو مذهبية ضيقة مهما كانت، ولا يجوز له أن يغش من يثق به في رأي أو مشورة يقدمها، فإذا فعل ذلك فقد أفسد على نفسه وعلى وطنه وأمته أموراً كثيرة ربما ساقت إلى فتن عظيمة.
وهذا ما يوجب على الإنسان أن يتخذ من الناصحين من عُرف بالصلاح والحكمة وسلامة الفكر والمعتقد، خاصةً فيما يتعلق بالأمور المصيرية المهمة.
وفي أحداث التاريخ ما يؤكد لنا خطورة دور الناصح، والمستشار، والبطانة التي تحيط بمن يحملون المسؤوليات الكبرى من البشر.
فلولا استسلام المأمون - مثلاً - لمن وثق بهم من مستشاريه لما ساق الأمة كلها إلى فتنة الاعتزال والقول بخلق القرآن وهو لا يشعر، فقد ثبت أنه كان يظن - من خلال آراء من حوله - أن الأمة عامةً وخاصةً يميلون إلى هذا الرأي، وأن المعاندين من العلماء هم الذين يعارضونه، مع أن الواقع يؤكد ما يخالف رأي الذين أسدوا إلى المأمون نصيحتهم المغشوشة.
ولأننا نقرأ أحداث التاريخ من بعد، فإننا نرى الأثر السلبي أو الإيجابي لنصائح الناصحين للخلفاء والأمراء، ونكاد نقول إذا عرفنا حقيقة أحد الناصحين المخالفة لظاهره: احذره أيها الخليفة فهو يصور لك غير ما يجري في واقع الحياة. ولكن حواجز الزمن الطويل تحول دون ذلك.
إن على كل من أعطي ثقةً فأصبح رأيه يؤخذ مأخذ الجد أن يتقي الله عز وجل، وأن يعلم أنه مسؤول عن كل ما يقول وما يرى يوم يعرض على الله، فإن المشورة والنصيحة لا تأتي بنتائج إيجابية إلا إذا قامت على الصدق والوفاء، ومراقبة الله عز وجل في كل صغيرة وكبيرة.
إشارة
يقول بشار بن برد:


إذا بلغ الرأي النصيحة فاستعن
برأي نصيح أو نصاحة حازمِ
ولا تحسب الشورى عليك غضاضةً
فإن الخوافي قوة للقوادمِ
وخل الهوينى للضعيف ولا تكن
نؤوماً، فإن الحزم ليس بنائمِ


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved