Monday 20th December,200411771العددالأثنين 8 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

لماذا هذه المظاهرات؟ لماذا هذه المظاهرات؟
عبدالمحسن الماضي

كانت القرون الوسطى عهود جهل وظلام في أوروبا وحتى في العالم الإسلامي .. الذي حفظه الله بالقرآن ، كان هناك من يزرعون بذور الجهل والظلام .. ففي أوروبا ازداد نفوذ الأرستقراط واتسعت هوة الطبقية بين النبلاء وبين عامة الناس وانتشرت السُّخْرة والاستعباد .. وفي العالم الإسلامي توقفت حركة الفكر وازداد الجهل وانتشرت الخرافات واضمحلت العقيدة .. وكانت الحركات الفكرية التي تنهض لمقاومة هذه الأحوال المتردية تتخذ لنفسها رداء الإصلاح .. ومنذ ذلك الحين أصبح الإصلاح علكة يلوكها كل مدع ، ويرتديها كل أفاك حتى يكسب المزيد من المريدين والمناصرين من الدهماء .. حتى اللصوص وقطاع الطرق في عالمنا العربي رفعوا راية الإصلاح ، تبريراً لعمليات السلب والنهب والقتل.
دعاوى وادعاءات كثيرة مرت قديماً وحديثاً ، منها الدعوة التي تبناها إبليس عندما خرج على أمر الله بالسجود لآدم .. والدعوة التي تبناها كفار قريش في التهجُّم على نبي الله بقولهم : صبأ محمد ، كفر أبو بكر وارتد بلال .. والدعوة التي تبناها الذي حاج إبراهيم في ربه أن آتاه الله المُلك ، إذ قال إبراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت .. وكان مسيلمة وكانت سجاح وكان الأسود العنسي وطليحة الأسدي يدّعون النبوة التي هي قمة الإصلاح .. فهل كانوا مصلحين ؟ .. كانت كلها دعوات إفساد أطلق عليها أصحابها أسماء تتراوح بين الإيمان والإصلاح ؛ كسباً لدعم هؤلاء الذين يحسبون كل صيحة عليهم قاتلهم الله أنى يؤفكون.
إن تجارب الثورة كلها دون استثناء باءت بالفشل الذريع إلا ثورة واحدة هي الثورة الفرنسية ؛ لأنها كانت شعبية إصلاحية تناهض وتقاوم فساد العصور الوسطى .. وكانت واضحة الفكر والمنهج .. سنَّت العديد من القوانين .. ووضعت دستوراً يحكم هذه القوانين .. فكانت بحق أُمَّ الديمقراطيات الحديثة كلها .. أما الثورت التي قامت لمجرد الثورة فإن مصيرها المحتوم كان الفشل الذريع ، وإيقاع المجتمع في العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والفكرية.
كانت تجربة الثورة في العديد من الدول الشقيقة نموذجاً للانتقال من الاستقرار والأمن والرخاء إلى القلاقل والإرهاب والفقر ، فهل لدى دعاة الإصلاح برنامج واضح وفكر مكتوب لتقييم جدواه .. أم أنها رغبة في ثورة تأخرت عن شقيقاتها العربيات لنقل مجتمعنا من الاستقرار والأمن والرخاء إلى القلاقل والإرهاب والفقر ؟ ، لقد أجهزت الثورة على مكاسب المجتمعات العربية الشقيقة التي رسخت دعائم مجتمعها لآلاف السنين ، وأعادت شعوبها إلى الوراء وما العراق عنا ببعيد .. هل يُعقل أن الشعب الذي أسس أول حضارة في التاريخ ، حضارة أور وبابل وبغداد ما زال يقاتل بحثاً عن هوية ، بعد أن طمست الثورة هوية العراق الكبير فتحمست الطوائف لإسباغ هويتها العصبية على البلاد.
إنني لا أتعجب كثيراً من الدعوة للخروج في مظاهرة تبنتها جماعة محطة الإصلاح الفضائية .. ولكنني أتعجب ممن يستجيب لتلك الدعوة ، فمجتمعنا الذي اشترك في توطيد دعائمه آباؤنا وأجدادنا ، يمثل قيمة رئيسة نحرص على دعمها لا تقويضها ، ومكتسبات هذا الوطن ملك لنا جميعاً .. فكيف ننساق خلف كل داعٍ للهدم محرضٍ على التقويض ؟ مجتمعنا هو بيتنا الذي اشتركنا في بنائه على مرِّ السنوات الماضية .. ودعوة الإصلاح تكون بتزيينه وتجميله .. أما الدعوة إلى هدمه فهي دعوة لا تخرج كثيراً عن دعوة أبي جهل للرسول لترك الرسالة مقابل الكثير من المال والجاه .. ولا عن دعوة الشيطان لبني آدم الذي يعدهم ويمنيهم ، وما يعدهم إلا غرورا.
أخيراً فإن راسبوتين راهب روسيا الأثير لدى الجميع ، كان يرتدي مسوح الراهب ويسلك سلوك العربيد زير النساء ، ولم تسْلَم منه حتى ملكة روسيا نفسها ، فكان مصيره بعد أن افتضح أمره الصلب على أعواد المشانق .. وقديماً قال العرب : حبل الكذب قصير.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved