تعقيباً على ما نشر في (الجزيرة) من مواضيع وخاصة في (صفحة عزيزتي الجزيرة) عن أولئك الذين يفضلون البنت على الولد أو الذين يعبسون إذا رزقوا ببنت، أقول ان الرجل في الجاهلية كان إذا ولدت له بنتاً فأراد أن يستحييها ألبسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية فيقول لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئراً في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها انظري فيها، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض.
أما عصرنا الحديث فقد أثار حادث قتل أحد الآباء لبناته الخمس في صعيد مصر مشاعر الاستياء والاستنكار بين الناس لما فيه من قسوة وبشاعة وتجرد من كل حنان الأبوة ومشاعر الإنسانية، خاصة وأن الحادث وقع في أيام مباركة في شهر رمضان المعظم.
وتساءل الناس عن أبعاد هذه الجريمة الشنعاء التي أقدم عليها هذا السفاح بقتل فلذات كبده دون رحمة وما إذا كانت هذه الحادثة تمثل عودة إلى الجاهلية الأولى التي تحدثنا عنها في البداية حين كان وأد البنات شائعا عند العرب، ولكن في عصور التخلف والانحطاط تطفو العادات والتقاليد الموروثة على قيم الحضارة والتقدم، وها نحن نرى مثل هذه الحادثة وغيرها التي تدل على كراهية البنات، وكأن الجاهلية الأولى عادت من جديد لتطل برأسها الكريهة على مجتمعاتنا بعد أن قطعت المرأة شوطا في التقدم وتبوأت أعلى المناصب .
ولننتقل إلى المحور الذي أرمي إليه في موضوعي ألا وهو وأد البنات من قبل بعض كتاب الجزيرة في مقالاتهم وسألمح إلى من انتقص من شأن المرأة فمنهم من أخذ يدافع ويقول للمرأة الحق وفي نهاية مقاله يقول لا نخفي أننا نريد الولد لأن فيه نفع لأبيه أما البنت فلزوجها!!! هل البنت عاقة بعد زواجها في نظر من يتبنى هذا الرأي؟
وأكثر من كاتب يتطرق في حديثه عن المسلسلات التي غزت مجتمعنا وتظهر المشاكل العائلية لتحديد جنس المولود وهي مسلسلات مبالغ فيها مما جعلها تتميز بتحريك أقلام الكثيرين. فالمبالغة تثير الكتاب أحيانا وفي كتاباتهم يوضحون الفرق بين الذكر والأنثى. وأنا لن أزيد عليهم كثيرا فالمسألة نسبية كما قالوا ولا نستطيع أن نقول هذا الجنس أفضل من الآخر ولكن الذي اغضب الفتيات هو التجاهل الكلي وتسليط الضوء على الشباب.
يظل جنس المولود المنتظر هو الشغل الشاغل للوالدين لاعتبارات خاصة بعضها تحكمه الطبيعة والفطرة البشرية والأخرى الاعتقادات المتوارثة. فإرادة البعض للولد جاءت من موروث شعبي أبا عن جد. أما الاعتقادات التي يتحدث فيها بعض الكتاب عن الابن فهي واقعة ولا نأخذ منها إلا أن الابن يحمل اسم والده وعائلته من بعده فقط، وهذا لا ينقص من البنت شيئا، وليس شرطا أبدا أن تكون هذه الاعتقادات صحيحة.
ويتحدث كاتب آخر مدافعا عن الفتاة ومنصفا لها ثم يختم بقوله: ولكن العرف الاجتماعي جعل الولد أفضل من الأنثى. دون أن يناقش، فهو أمر مسلم عنده لأنه رجل. يبدو من حديث بعض الكتاب عن الفتيات أن عصر وأد البنات قد عاد، فقد أنهى كثير منهم الفتاة من الحياة وجعلها مجرد عبء على الآباء والمجتمع، ومجرد أن تتزوج الفتاة ينتهي دورها في حياة أهلها! ولكن ما يحكيه المجتمع في هذه الأيام بعكس كلامهم، فهناك فتيات يساعدن آباءهن من نواحٍ عدة، منها الأسرية والاقتصادية والشخصية والنفسية أكثر من الأبناء، أما من ناحية أن تتزوج الفتاة وتعيش لزوجها ولا تربطها بأهلها أي رابط فهذا غير صحيح، فنحن ندين بالإسلام ولسنا ممن يعترف بوالديه حتى سن معينة ثم يذهب ويشق دربه في الحياة كما هي حال الدول الغربية الكافرة من أولاد وبنات، بل تتسمى البنت باسم زوجها ولا تعرف أهلها. أما في مجتمعنا المسلم -ولله الحمد- فالبنت بعد زواجها تكون مرتبطة بأهلها و ليس صحيحا أنها لا ترى أهلها، فهذا مستحيل مهما كانت الأسباب، فالذي لا يريد أهل الفتاة لا يريده أهلها من البداية.
إن البنت هي الأم التي حقها يفوق حق الأب ثلاث مرات، ألا تعرفون الأجر في تربية البنات (من عال جاريتين حتى تبلغا) وهل نسيتم (استوصوا بالنساء خيرا..) وهل نسيتم أم الأنبياء والمرسلين وزوجاتهم وأم الصحابة والتابعين وزوجاتهم وأم العلماء والعظماء... هذه البنت هي أمك أيها الرجل التي تنظر إلينا نظرة انتقاص وازدراء واحتقار.
هذه البنت هي التي حرم على الرجال الأجانب النظر إليها حرصا وحفاظا عليها، هذه البنت هي التي سميت بها إحدى سور كتاب الله سورة النساء.
عجبي ممن لا يقدر المولودة ويفضل المولود عليها، وقد تناسى الأب أنه إذا ربى ولدا فقد ربي فردا وإذا ربى بنتا فقد ربي مجتمعا.
أريد أن أختم هذه المقالة لمن يفضل الولد على البنت أن البدهيات العلمية تتراكم سنة تلو الأخرى وأن الرغبة في تغيير الأمور أصبحت ممكنة علميا في أيامنا هذه لإحداث التوازن المطلوب في الأسرة.
منال بنت إبراهيم |