تركيا وأوروبا..الحوار بدلاً من الصدام

فضل بعض الأتراك استعارة أدبيات الامبراطورية العثمانية وهم يستقبلون رئيس وزرائهم رجب طيب أردوغان بعد عودته من مفاوضات الاتحاد الأوروبي متأبطاً اتفاقاً يتيح التفاوض حول طلب بلادهم الانضمام للاتحاد، ومن ثم فقد رفع المستقبلون لافتات تقول (مرحباً برئيس وزرائنا فاتح الاتحاد الأوروبي).
ولعل هذه الملامح من الماضي هي التي تدفع إلى أذهان بعض الأوروبيين بصورة تركيا الحالية سليلة تركيا العثمانية وهي تتقدم بملايينها السبعين من المسلمين للانضواء تحت راية أوروبا التي تخشى بعض دولها طوفاناً إسلامياً يدعم الأقليات المسلمة المتناثرة في تلك القارة، وهؤلاء الخائفون يسبغون على مواقفهم بعضاً مما يدور في العالم مما روجت له دوائر معينة من محاولات لربط الإسلام بالإرهاب وهو الأمر الذي يتلخص فيما يسمى (الفوبيا من الإسلام) أي الخوف وهو أمر غير مبرر.
ويجب أن تكون الاستعانة بالتاريخ كاملة لتوضيح كل المواقف، فالتاريخ يحدثنا أيضاً أن النهضة الغربية الحالية هي نتاج لحضارة إسلامية عريقة خاصة في العلوم الحديثة، وأن أوروبا أفادت كثيراً في مظاهر نهضتها الحديثة من ذلك الإرث الذي انتقل إليها من العلماء المسلمين.
وقد يفيد بعض الأوروبيين كثيراً النظر إلى واقع الحال اليوم وبموضوعية أكثر ليروا أن الإسلام لا يزال هو ذلك الدين المنفتح على الآخرين والذي يحض على التعاون والتآخي بين مختلف شعوب العالم وعلى تجويد العلم والعمل به، وأن قلة محسوبة على الإسلام اختارت التشدد، لكنها لا تمثل بأي حال من الأحوال الإسلام ولا المسلمين، وأن المستنيرين في أوروبا يدركون مرامي هؤلاء ويعرفون حقيقة الإسلام، وأن الترويج لربط الإسلام بالإرهاب هو مسألة كيدية من البعض الذي ينتهز فرصة ارتكاب أعمال إرهابية وبالذات اعتداءات 11 سبتمبر للترويج لمثل تلك الأفكار.
ويتعين على تركيا التي بدأت محاولات الانضمام إلى أوروبا قبل أربعين عاماً الانتظار لعشر سنوات أخرى قبل الالتحاق بأوروبا وهذه هي المدة المنظورة لمفاوضات الانضمام التي ستبدأ في أكتوبر من العام المقبل، وخلال فترة التفاوض يتعين على أنقرة مراعاة المقاييس والمستويات الأوروبية في كل ما تفعل، لكن أنقرة الحريصة على هذا الانضمام بدأت بالفعل التجاوب مع تلك المستويات من السلوك وقد ظهر ذلك بشكل جلي في التعديلات التي أدخلت على القوانين وعلى الشؤون الاقتصادية.
ووسط هذه النقلة التي تستشرفها أنقرة فقد كان مفيداً الاستماع إلى أصوات أوروبية عقلانية تحاول أن تتحدث عن حوار وتلاقح للحضارات وليس صراعاً للحضارات يمكن أن ينجم عن هذا التلاقي بين الجموع المسلمة في تركيا والأغلبية المسيحية في أوروبا، وسيكسب العالم كله من هكذا تلاق إذا تغلب التوجه العقلاني وقاد عملية الاندماج بعيداً عن مظاهر الإثارة والاستعداء التي سيحاول البعض إحلالها في هذه العملية الاندماجية الكبرى.