البيع من عقود المعاوضات المالية وهو إما بيع حال وإما بيع مؤجل والأصل في البيع الحلول والتأجيل صفة طارئة على العقد وهو تأخير تسليم الثمن إلى أجل معلوم دفعة واحدة أو مجزءاً على أزمنة متعددة ويسمى بيع التقسيط وهو أكثر البيوع شيوعاً في العصر الحاضر حتى أصبح مصدر ربح لكثير من الشركات ومنطلق تنافس بينها في تقديم ما يسمونه بخدمات العملاء وما يتبع ذلك من امتيازات وحوافز تجعل الناس يقبلون على هذا التعامل بشكل كبير حتى أصبح يشكل ظاهرة تجارية ذات نطاق واسع، ولعل أبرز العوامل التي ساعدت على انتشار بيع التقسيط في المجتمعات النامية خاصة ما يلي:
1 - قلة النقد في اليد والرغبة في الحصول عليه.
2 - التوسع المادي الذي يشهده العالم المعاصر.
3 - اهتمام كثير من الناس بالكماليات التي طغت وأصبحت من متطلبات الحياة.
4 - ما يجده المشتري من سهولة في الدفع المريح الذي يتمشى مع ظروفه المادية. 5 - ما يجده التجار في هذا النوع من التعامل في ترويج بضاعتهم التي أصيبت بالكساد نتيجة كثرة العرض وقلة الطلب.
والحقيقة أن هذا النوع من البيوع يشكل ظاهرة اقتصادية لها سلبياتها على الفرد والمجتمع خاصة في حال التوسعة اللامحدود - وفي نظري - أن السلبيات تفوق الإيجابيات مما يستدعى إيجاد الحلول المناسبة والبدائل التي تضمن الحد من استنزاف الأموال واستغلال حاجة العامة الذين لجأوا إلى بيع التقسيط ليجدوا فيه حلاً لمشاكلهم المالية ويمكن توضيح بعض تلك السلبيات على النحو التالي:
1 - هذا النوع من البيوع وسيلة الى فرض الربح الفاحش الذي يضر بالمشتري.
2 - بيع التقسيط سبب في شغل الذمم بالديون التي أثقلت كاهل شريحة كبيرة من المجتمع خاصة الشباب من ذوي الدخل المحدود.
3 - هذا النوع من التعامل فيه استغلال لحاجة الناس وقطع للمعروف بينهم المتمثل في عقد القرض والعارية التي هي من عقود الإرفاق فلا تكاد تجد من يقرض الآخر، فطغى الربح المادي على الربح المعنوي الذي هو الإحسان للناس وسد حاجتهم حتى ضعف مبدأ التعاون والتكافل بين المسلمين حين تعلقت النفوس بحب المال.
4 - هذا النوع من التعامل سبب لحدوث الخلاف والنزاع بين البائع والمشتري بسبب تأخر المشتري في السداد، بل إن عدداً من قضايا المحاكم الشرعية هي من هذا النوع.
5 - قد يكوم هذا النوه من البيوع سبباً في الوقوع في الربا في حال العجز عن السداد فيزيد البائع في الأجل مقابل الزيادة في الثمن فيقع في ربا الجاهلية (إما أن تقضي وإما أن تربي) مع الجهل بالحكم الشرعي في الغالب.
لقد أصبح بيع التقسيط - في الوقت الحاضر - هو الأصل لدى كثير من الشركات خاصة في بيع وشراء العقارات، والسيارات، وأثاث المنازل.
ولا شك أن براءة الذمة من الدين أمر مطلوب ومرغب فيه شرعاً لما ذلك من هدوء البال وراحة الضمير وسكون النفس.
فلو فكر أصحاب رؤوس الأموال في منفعة المحتاجين وسد حاجتهم لما حصل هذا الاستغلال، وإنما همهم نفع أنفسهم على حساب التضييق على الآخرين.
إن الدراسات الميدانية أثبتت تورط الآلاف من البشر في الديون بسبب بيع التقسيط وما يثبت له من دعايات مغرية.
ولعل من أهم الحلول التي تحد من هذا التوسع ما يلي:
1 - الاقتصار على الضروريات والحاجيات وعدم التوسع في الأمور الكمالية والتحسينية فإن معظم ذلك ناتج عن التقليد والمحاكاة وتتبع العادات والتقاليد من باب التفاخر والمباهاة.
2 - وضع حد أدنى لدخل الفرد المسموح له بالتقسيط بحيث لا يقل دخله الشهري عن ستة آلاف ريال.
3 - ترشيد الشركات والمؤسسات التجارية بالحد من الربح الفاحش الذي تجاوز حد المألوف. ويا حبذا لو وجد نظام يحكم ذلك لما نلمسه من التفاوت الكبير في نسبة الأرباح من شركة لأخرى.
4 - توجيه الناس وارشادهم إلى براءة الذمة عبر المحاضرات وخطب الجمعة وبيان ما للدين من أثر مالي ونفسي فإن الدين من حقوق العباد التي لا تغفر إلا بعفو أصحابها.
5 - الترغيب في القرض الحسن مع أخذ الضمانات على ذلك كرهن أو كفيل فإن ذلك يحقق التعاون والتكافل بين أبناء المسلمين.
6 - عدم الإفراط في تحمل الديون والاقتصار على حال الاضطرار وتقديم الأولويات لئلا تتزاحم الحقوق في المال فيحصل العجز عن الوفاء بها.
فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن وغلبة الدين وقهر الرجال.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا. اللهم أغننا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك.
(*)وكيل المعهد العالي للقضاء |