* إليكس فيشمان - المراسل العسكري للصحيفة - (يديعون أحرونوت) - 15-12-2004م :
لا يمكن لأحد أن يتحمل هذه الاتهامات المهينة التي وجهها قادة حركة حماس والمنظمات الفلسطينية الريديكالية إلى إسرائيل بعد عملية حي المزة التي نجا فيها أحد أعضاء حركة حماس من الموت في آخر لحظة مع أبنائه، ولكنني مع هذا أنتقد العديد من أعضاء الكنيست من الأحزاب اليمينية والمتطرفة الذين أعلنوا في بجاحة - وآسف لاستخدام هذا اللفظ - أنه حتى وإن كانت إسرائيل هي المسؤولة فهي تقوم بذلك بغرض الدفاع عن نفسها من الإرهابيين أعضاء حركة حماس الذين أذاقوا إسرائيل أخيراً جرعة كبيرة من المر.
هذا المر الذي أتى إلينا عقب موت خمسة من أبرز أبنائنا في العملية العسكرية الأخيرة في رفح والتي حفر الفلسطينيون فيها نفقاً حتى وصلوا لإحدى القواعد العسكرية الإسرائيلية وفجروا جزءا من القاعدة واشتبكوا بالنيران مع عدد من أبنائنا فأسقطوا منهم القتلى والجرحى.
والحاصل أن ما يحدث في قطاع غزة الآن يشبه ما حدث في جنوب لبنان قبيل الانسحاب الإسرائيلي منه، حيث بتنا تماماً كما نعيش في فترة الغسق الفاصلة، حيث تكون إحدى الساقين خارجا وهذا ما شاهدناه بالضبط في هذا الجنوب.
صراحة الاعتراف أن الجيش وقف حائرا خلال أسبوعين أمام قضية كون العمليات الهجومية المتلاحقة قادرة على تشويش عملية فك الارتباط - أو بالعكس.
المستوى السياسي من ناحيته ألمح للجيش بإمكانية تخفيف ضغطه على البنزين فجاءت عملية معبر رفح ودفعنا الثمن، والآن لم يعودوا في حيرة من أمرهم، أمس الأول أدركوا في المستوى السياسي أيضا أننا إذا رفعنا قدمنا عن دواسة البنزين فلن نتمكن من الوصول إلى فك الارتباط بكل بساطة.
ولكن قبل أن نتوجه لتحطيم عظام الفلسطينيين - وهم يستحقون ذلك - يتوجب علينا أن نقوم بمحاسبة أنفسنا مهنيا، فلا يعقل أن تكون هناك خلية عصابات بهذه النوعية والحجم خلال أشهر طوال من دون أن يكون لدى أحد منا تصور عن ذلك أو حتى قدرة على مجاراتها، حرب العصابات كما شهدناها في لبنان هي أكثر إحكاما من الإرهاب الذي شهدناه في القطاع، ولكنها أكثر عرضة وشفافية لأنها تتطلب المزيد من الوسائل والموارد. قبل أكثر من سنة كشفوا النقاب عندنا أن المجموعات الإرهابية في غزة قد انتقلت من الحرب الإرهابية البدائية إلى حرب العصابات بإيحاء وعلم لبنانيين، هذا الأمر ألزم جيش الدفاع بالقيام بعمليات هجومية واستخبارية مختلفة، ولكن أحداً ما عندنا قد فوت شيئا ما كبيرا هنا.
وهذا ليس التفويت الأول والمضيعة للأمور، الأنفاق هي حكاية مستمرة منذ عدة سنوات ولكننا، نحن أيضا بطيئون ومتأخرون في البحث عن الحلول التكنولوجية والميدانية الملائمة للمشكلة وتطبيقها، وفي الجيش أخذوا يتحدثون عن الأنفاق منذ مدة من الزمن باعتبارها سلاحا يخرق التوازن، وقد يخرج الجيش في غزة عن أطواره واتزانه ولكن هذا الأمر لم يقد لسبب غير معروف، إلى خياطة البدلة الملائمة لمواجهة تهديد الأنفاق أيضا.
ولأنه يوجد حل تكنولوجي متوفر لاكتشاف الأنفاق وأجهزة الاستخبارات فشلت بدورها في وضع حسم لهذه المسألة كان من المفترض الاحتراس والتصرف في الجيش وكأن هناك نفقاً تحت الأرض بجانب كل موقع عسكري كبير في غزة، وكان على الجنود أن يتصرفوا وفقا لذلك، ولكن كل هذه الأمور نفذت لسبب ما بصورة أكثر جزئية.
هذه الحرب ليست مجرد ملف لقيادة المنطقة الجنوبية في لبنان أيضا تطلب الأمر وقتا طويلا جدا لإدراك أن الحكاية ليست مجرد مشكلة أمن اعتيادي يومي للقيادة الشمالية، وأن هناك حاجة خلال هذا الوقت لتكثيف جهود الجيش عموماً.
لا مفر، توفير الحل الفوري يتطلب بذل الكثير من المال وحماية المواقع العسكرية في القطاع. وإلا فإننا سندفع ثمن ذلك بالأرواح، يجب أيضاً صياغة التحركات الميدانية حول المواقع بصورة مغايرة إلى أن يتم التوصل إلى الحل التكنولوجي أو إلى أن نخرج من هناك.
عملية حرب العصابات التي حدثت أمس الأول أعدت طوال أشهر عديدة وتلمس فيها بصمات أصابع حزب الله: نفق حفر خلال مدة طويلة وشمل أكثر من طن من المواد الناسفة التي فجرت في عدة بؤر تفجيرية وهجوم على الموقع في محاولة (فشلت) لاختطاف جندي وإطلاق الراجمات للتغطية وإطلاق قذائف مضادة للدبابات على كيبوتس خارج الجدار - للتضليل- أحد ما في الجانب الآخر قاد عملية معقدة نسبياً مع موقع قيادي وتنسيق في جدول المواعيد التنفيذي واستخدام وسائل قتالية هادفة وأخرى فردية.
هذه تعتبر عملية فدائية في أحسن صورها وتنبعث منها رائحة قوية لحزب الله وعندنا نحن لم يشم أحد أي شيء.
في جهاز الدفاع في إسرائيل لاحظوا في الأسبوع الأخير حدوث انعطافة استراتيجية في سياسة حماس لإطلاق النار في غزة بعد أن قررت حماس تخفيض مستوى بروزها - غيرت اتجاهها وقررت العودة إلى العمل العسكري الكامل. من خلف هذا القرار تقف مساعي قيادة حماس لعرقلة جهود أبو مازن الساعية لقيادة الأمور نحو الانتخابات والتوصل إلى تسوية مع إسرائيل.الآن يقوم الجيش بإعداد عملية عسكرية تتلاءم مع روح الزمن: عملية تكون مؤلمة وتأخذ العلاقات مع مصر بعين الاعتبار في نفس الوقت والمراقبين الدوليين الذين سيأتون لمراقبة الانتخابات، وارتفاع شعبية أبو مازن في الاستطلاعات الآن يجب أن تظهر العسكري العبقري الذي يستطيع خياطة هذه البدلة لملاءمة الجميع. ولأننا في حالة نصف حمل، فإننا نتحدث عن عملية مدروسة: اقتلوا ودمروا -ولكن قليلا.
** ايكس فيشمان: المراسل العسكري لصحيفة يديعوت أحرونوت سبق له تغطية كثير من الحروب الإسرائيلية بداية من حرب أكتوبر 1973م التي كانت أولى أعماله الصحفية واجتياح لبنان حتى الانسحاب منه ومن بعده الانتفاضة الأولى والثانية.
يعتبر من أشهر المراسلين العسكريين ولديه خبرة كبيرة وعلاقات قوية بالمؤسسة العسكرية تتيح له الحصول على كثير من المعلومات الهامة والمفضلة عن زملائه في الصحف الأخرى.
|