Sunday 19th December,200411770العددالأحد 7 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "قضايا عربية في الصحافة العبرية"

مقال سياسي مقال سياسي
جولة أبو مازن الأخيرة تمثل صفحة جديدة في علاقة منظمة التحرير مع الدول العربية
الاستقبال الذي حظي به في دمشق والمحادثات المريحة مع قادة حماس منحته شرعية من الراديكاليين

* داني روبنشتاين - (هآرتس) - 14-12-2004م :
توجه كل من محمود عباس أبو مازن رئيس السلطة الفلسطينية ومعه أحمد قريع أبو العلاء في جولة حرة في العديد من الدول العربية بدأت بزيارة دراماتيكية لسورية ولبنان وبعدهما توجها إلى زيارة سلسلة من دول الخليج وعلى رأسها الكويت.
واللافت في هذه الزيارة أنها تأتي للاستراحة من الزيارات التقليدية للشقيقتين العربيتين - كما يقول كل عربي - وهما مصر والأردن، الدولتان العربيتان اللتان يحل عليهما القادة الفلسطينيون بصورة روتينية معتادة.
بداية أرى أن هذه الجولة تأتي في إطار الحملة الانتخابية لأبو مازن، الذي ومنذ أن عرف كأحد مهندسي اتفاق أوسلو، التصقت به صورة الزعيم المعتدل والساعي للتسوية حيث مني بالفشل في منصبه كرئيس للحكومة الفلسطينية الأولى لأسباب منها أنه دعا إلى إيقاف الانتفاضة العنيفة.
الاستقبال الذي حظي به أبو مازن في دمشق والمحادثات المريحة بالقدر المعروف التي جرت مع قادة حماس في العاصمة السورية، منحته شرعية من قبل الأطراف الراديكالية في العالم العربي وفي المعسكر الفلسطيني.
جولة أبو مازن في سورية ولبنان حظيت بتغطية إعلامية واسعة في العالم العربي وفي وسائل الإعلام الفلسطينية طبعا، وذلك في الوقت الذي كان فيه المرشحون الآخرون للرئاسة مثل ناشط اليسار الدكتور مصطفى البرغوثي وأمين عام حزب الشعب بسام الصالحي - الذي تتردد أنباء عن انسحابه - اضطروا للتصادم مع جنود الجيش الإسرائيلي على الحواجز في مداخل القدس حتى يحظيا بالصور في الصحف والتلفزيون.
وعلى الرغم من احترامي الكامل لدول الخليج وبالتحديد المملكة العربية السعودية الدولة الموجهة لهذه الدول أرى أن أهم محطة لأبو مازن هي دمشق، لماذا؟
صراحة لدى النظام السوري أسبابه بالتأكيد لتقريب الزعيم الفلسطيني الجديد، أما بالنسبة لأبو مازن فان الدعم السوري يعتبر هدية بالغة القيمة.
لا شك أن موقف سورية من أبو مازن قد أثر جداً على قادة حماس والجبهات اليسارية العاملة في دمشق برعاية نظام بشار الأسد.
في السنوات السابقة تلقى قادة المعارضة الفلسطينية في دمشق تحذيراً إبان مفاوضات حافظ الأسد مع إسرائيل بأنهم قد يضطرون إلى مغادرة الأراضي السورية عما قريب، وان عليهم أن يجدوا لهم قاعدة في العالم العربي.
قادة حماس وجبهات اليسار تحدثوا حينئذ عن إمكانية الانتقال إلى العراق بقيادة صدام حسين أو ربما إلى ليبيا. أما الآن فليس أمامهم خيار آخر في أي دولة عربية، ويقول صحفي عربي صديق لي من القدس ساخراً: إنهم ربما يحصلون على ملجأ فقط في ثقب بعيد منعزل مثل الصومال.
على هذه الخلفية ترددت في نهاية الأسبوع بيانات معتدلة جداً من جانب حماس في سورية. قيادة الخارج في حماس (أي خالد مشعل وموسى أبو مرزوق) لم تغير من موقفها المبدئي بعدم الاعتراف بإسرائيل، ولكنها قالت إنها لا تعارض إقامة دولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية والقدس (حسب أبو مرزوق)، كما إنهم لم يعودوا يبحثون الآن عن وقف إطلاق النار (الهدنة) مع إسرائيل، على الأقل حتى الانتخابات الفلسطينية في (يناير)، ولكن هذه إمكانية سيتم بحثها، كما يقول أبو مرزوق.
أغلب الظن أن تغير لهجة فاروق القدومي في الآونة الأخيرة قد حدث بسبب الأجواء الجديدة في دمشق. القدومي قائد المعارضة في حركة فتح لعملية السلام وأوسلو، انتخب بعد وفاة عرفات رئيساً لحركة فتح. هو حصل على دعم أبو مازن لذلك مقابل دعمه له في انتخابات رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة، القدومي كان خلال السنوات الأخيرة ضيفاً دائماً على سورية، والآن يصعب عليه أن يتصرف بصورة أخرى عندما تتعامل دمشق مع أبو مازن ببشاشة.
من هنا سارع القدومي للتنديد بالبرغوثي ومطالبته بالتراجع عن ترشيح نفسه عندما قرر الأخير خوض المنافسة الانتخابية. تصريحاته سمحت لأبو مازن أن يبدي سعة صدره والقول إن من حق البرغوثي المنافسة في الانتخابات مثل أي مواطن فلسطيني.
ولكن النتيجة الأهم لتغير الموقف السوري هي الإمكانية التي أعطيت لأبو مازن ورفاقه للحلول ضيوفاً على قادة النظام في لبنان وزيارة المخيمات الفلسطينية هناك.
هذه الزيارات لم تكن لتتم من دون توصية سورية حيث إن القيادات الفلسطينية لم تزر المخيمات منذ عشرين عاماً بعد طرد منظمة التحرير من لبنان.
المحادثات التي أجراها أبو مازن ومن معه مع قادة النظام اللبناني ومع القيادة السورية اعتبرت جيدة، وعبر أبو مازن عن أمله في أن تفتح لمنظمة التحرير سفارات في بيروت ودمشق، والمنظمة تملك سفارات في أغلبية الدول العربية باستثناء سورية ولبنان والكويت حيث توجد لها مكاتب لتمثيل المصالح فقط.
ولكن ذروة الزيارة وربما كل رحلات أبو مازن حتى الآن كانت زيارة المخيمات الفلسطينية في لبنان، هذه الزيارات ترافقت مع مخاوف كبيرة حيث يسود الإهمال ومشاعر المرارة الكبيرة تجاه القيادة الفلسطينية التي أقامت حكماً في الضفة وغزة وأهملتهم في واقع الحال.
لاجئو لبنان اعتبروا خلال السنوات السابقة ضحية لعملية السلام. في هذه المخيمات تسيطر المليشيات الفلسطينية بينما يحجم الجيش اللبناني عن دخولها.
الخوف تمحور حول حماية أبو مازن أولاً، إلا أنها نجحت باستثناء زيارة عين الحلوة حيث وجه منير مقدح الانتقادات للقيادة الفلسطينية لأنها لم تزر المخيم بصورة لائقة.
الصحف الفلسطينية غطت الزيارة وظهر سلطان أبو العينين من مخيم الرشيدية وهو يشبك أياديه مع أيادي أبو مازن وأبو العلاء، وفي مرحلة معينة ظهر أبو مازن في وضع صحي سيء وألقى أبو العلاء الخطاب بدلاً عنه في الرشيدية.
خطاب القيادة هناك كان أكثر تشدداً من أي مكان آخر حيث وعدوا بعدم التنازل عن حق العودة كما استطاعوا تحقيق انفراج معين في سياسة الحكومة اللبنانية تجاه المخيمات.
حقيقة خروج مهندسي أوسلو، أبو العلاء وأبو مازن، من المخيمات الفلسطينية في لبنان بنجاح، هي نجاح يسجل في رصيدهما. وسورية هي التي أسهمت بذلك كثيراً حيث قدمت لهذه الزيارة الرعاية. وربما تكون هذه الزيارة لسورية ولبنان صفحة جديدة في العلاقات المركبة بين منظمة التحرير والسلطة من جهة والدول العربية من جهة أخرى. لا شك أن العامل الشخصي قد لعب دوراً حاسماً في هذه الزيارة.
عرفات كان مكروهاً بالنسبة للقيادة السورية التي رفضت إقامة أي علاقات معه.
والعامل الشخصي مهم أيضاً في زيارة أبو مازن القادمة إلى الكويت والسعودية. أبو مازن شخص معروف ومحبوب في دول الخليج حيث سيطلب منهم أن يزيدوا من دعمهم المالي للسلطة إلى جانب الدعم السياسي. زيارات أبو مازن تبدو في الوقت الحالي كبداية لدرب ناجح في خلافة عرفات.

* داني روبنشتاين محرر الشؤون الشرق أوسطية في صحيفة هآرتس، ألّف كتابين عن الرئيس عرفات وله العديد من المؤلفات الأخرى عن الفلسطينيين مثل (امرأة على المعبر) و(طفل تحت الحصار)، ويتميز الكاتب بالتوجهات اليسارية والسلمية المريدة للعرب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved