لا ريب أبدا في ان علاقات إسرائيل مع مصر توجد في حالة تحسن، وقد بدأ هذا عملياً قبل نحو سنة، واندلع فوق السطح بصوت صاخب مع الإفراج عن عزام عزام، ووصل ذروته الاحتفالية مع التوقيع الثلاثاء الفائت على اتفاقية الكويز في العاصمة المصرية القاهرة وسيتزايد الوضع تحسناً مع إعادة مصر سفيرها إلى تل أبيب في الفترة القريبة القادمة.
والواقع فما يحدث يطرح الآن بين مصر وإسرائيل يطرح سؤالان مركزيان: الأول ما هو السبب الحقيقي وراء التحسن البارز في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب (غير حب مبارك - شارون) اللذين يتغزلان به كل يوم؟
والثاني هل التحسن الراهن يبشر بانعطافة جذرية في السياسة المصرية تجاه إسرائيل، والتي هي سلبية في أساسها، أم ان الحديث يدور عن تحسن طارىء لا تقبع خلفه تغييرات في المفاهيم الأساسية لمصر تجاه إسرائيل؟.
من الأسهل الرد على السؤال الأول. ثلاثة عوامل مركزية تحرك مصر باتجاه التحسين. أولها هو الاعتراف بأن مصر اخطأت عندما خفضت مستوى العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، فأعادت سفيرها إلى القاهرة. وفي سياق سنوات الانتفاضة، تبين للمصريين بالتدريج بأنهم عملوا بتسرع، بانفعالية، وفقدوا الكثير من قدرتهم على المناورة حيال إسرائيل، كما أن هذا لم يساهم في علاقاتهم مع الولايات المتحدة.
العامل الثاني يوجد برمته في قطاع غزة، فالمصريون لا يكاد لا يعنيهم ما يجري في الضفة الغربية، فهم غير معنيين بأن يلعبوا هناك أي دور مركزي ومصر ترى في الاردن الدولة العربية المسؤولة عن الضفة الغربية اما غزة فهي بالنسبة لمصر ما يعادل مكانة الضفة الغربية للاردن وخطة شارون لفك الارتباط والتي انطلقت إلى هواء العالم في مؤتمر هرتسليا في يناير 2003م وكذا الافول السياسي البطيء لعرفات حتى انصرافه الجسدي، وانتخاب بوش مجددا رئيسا للولايات المتحدة وجهت مصر نحو مفترق طرق يفترض حسما استراتيجيا.
فإما مساعدة اسرائيل في فك الارتباط، تعزيز أبو مازن، المساهمة في الاصلاحات في السلطة العمل على وقف الارهاب البدء بمكافحة تهريبات السلاح إلى القطاع، وبالاجمال المساهمة في الهدوء والاستقرار، أو عدم اعطاء كتف، عدم مساعدة فك الارتباط عدم تعزيز مؤيدي الاصلاحات والتغييرات في السلطة، وعندها يتحول قطاع غزة إلى منطقة ليست هادئة تحتفل فيها حماس وايران وحزب الله يكونان الراعيين الخارجيين هما وليس مصر وبالنسبة لمصر فان هذا كابوس غزة إسلامية متطرفة من شأنها ان تضرم من جديد نار الاخوان المسلمين في مصر.
المصريون يريدون كمصلحة عليا غزة هادئة، وعليه فقد اتخذ القرار وفي اطاره افترض تحسن واضح في منظومة العلاقات مع إسرائيل.
والعامل الثالث، يربط بين غزة ومبارك الرجل، مبارك ليس شابا (بعد اربع سنوات يصبح ابن ثمانين) وهو ليس الأكثر عافية، هذا طيار بات يوجد في طريقه نحو الهبوط وهو يعد نجله لوراثته كما هي عادة الحكام في الدول العربية، والرأي يتجه نحو رغبته في ان يورث نجله مصر مستقرة آمنة مزدهرة أكثر تعيش بسلام مع جيرانها مرتبطة بالولايات المتحدة، قوة عظمى اقليمية ذات قدرة تأثير في العالم العربي، والامر الأخير الذي يريد ان يورثه له هو غزة حماسية ومصر تكافح ضد الاخوان المسلمين.
حتى الآن مبارك لم يزر إسرائيل أبداً كرئيس مصر (باستثناء مراسيم جنازة اسحق رابين) وقد عود رؤساء الوزراء في اسرائيل (باستثناء شارون) على الحجيج إليه، إلى مصر ولسبب ما فان الامر مقبول وكأنه ضربة من السماء.
أنا أؤيد الرأي انه كان في ذلك ما يكف من الرمز للمفهوم الأساس للسياسة المصرية والمستمدة من نهج كل النخب المصرية: في نهاية المطاف السلام مع إسرائيل لم يأت إلا من أجل اعادة إسرائيل إلى حجومها الطبيعية، وعلى مصر أن تفعل الحد الأدنى من اجل اقامة السلام مع إسرائيل، وفي نفس الوقت ان تستمد منه الحد الاقصى الممكن (المساعدات الأمريكية مثلا).
في هذه الايام تماما نشرت الصحيفة الرسمية المصرية الاهرام مقالا يدعو إلى التخلي عن هذا المفهوم السلبي لإسرائيل والشروع في تطوير علاقات ايجابية عميقة معها فهل المقال هو مثابة طير سنونو أول نحو تغيير جذري في العلاقات المصرية - الإسرائيلية أم مجرد صوت منفرد؟ يجب الانتظار. زيارة رسمية من مبارك لإسرائيل (ولغرض البدء فليأت إلى إيلات أو إلى مزرعة هشكاميم) كجزء من تحسين العلاقات الحالي وهو ما سيشير إلى بداية الانعطافة الحقيقية في العملية السلمية.
عاموس جلبوع /كاتب دائم في الصحيفة
(معاريف) 15-12-2004م |