ايها القمر..
مرت عصور وتلتها عصور وأنت أنت مشرق الجبين باسم الثغر يسير في ضوئك المدلجون في هدأة الليل وتنتثر اشعتك على معاني العشاق، تشهد ما يقترفه الإنسان اذا جن الليل فلا تشي به، يسامرك مكلوم الفؤاد ويبثك ما ينوء به صدره من آلام فلا تسأم بل تنساب في مدارك بصمت ناشرا على صفحة الارض رداء من ضيائك ومرسلا امام الناظرين غلالة رقيقة من نورك.
أحبك سمار الليالي، وكلف بك اخوان السهر، وامتدحك المسافر، وعرف فضلك المقيم. تأخذ من الشمس ضياءها وحرارتها فتهدي إلى الناس الضياء وتتحمل أنت الحرارة لا تطلب من مخلوق جزاءً أو شكوراً، فأحبك الكثير وتغنى بجمالك الشعراء والأدباء، واسترعى اشراقك انتباههم فشبهوا وجوه احبتهم بطلعتك ولم ينفر من ضيائك الا اللصوص وقطاع الطرق والمجرمون.. في كل ليلة ترى محبيك وكارهيك فلا يستخفك لقاء المحب ولا يغضبك منظر الكاره فتوزع أنوارك اللطيفة بين الجميع بالتساوي بل تغمر ما على وجه الأرض بهذه الأنوار وتستمر في السير إلى هدفك دون التفات.
ولكن الإنسان هذا المخلوق الضعيف هذا المخلوق القوي لم يرضه منك هذا العدل ولم يقنعه ما تضفي عليه كل ليلة من نور ومن جمال ومن راحة بال.
انه يريد ان يعرفك، يريد ان يراك عن قرب، يريد ان يلمسك وأن يعرف مادتك، بل انه يأمل ان يشوه صورتك الجميلة، ويسعى الى ان يتخذ من فنائك قاعدة للعدوان على أخيه الإنسان، وربما تمادى وسوف يفعل فجعل منك منطلقاً الى كواكب أخر حاملا معه عقله المدمر ورغبته الجامحة في الامتلاك والاحتلال.
لو كنت أنا في مكانك ايها القمر لقذفت الغزاة من البشر إلى الفضاء البعيد البعيد جداً حتى يكون أولهم عبرة لآخرهم من المتربصين بك.. ليتك تفعل.
|