أبدأ الناس وأعادوا في الحديث عن المظاهرات التي نادى بها صوت من خارج الوطن بهدف الإصلاح - بزعمه - في بلاد الحرمين، ورأينا وسمعنا من التعليق والتحليل لذلك النداء ما يؤكد أن واقعية النظرة الى الأمور ما تزال غائبة - في الغالب - عن أذهان كثير من الناس.
نعم هنالك صوت ينادي منذ زمن بالإصلاح في المملكة، ينادي من وراء المحيطات، ويعتمد في نداءاته على أسلوب (الشتائم والسِّباب والاثارة التي لا تعتمد على سند شرعي أو علمي أو قانوني)، ولكن ذلك الصوت يقف منكسراً أمام حقيقة ثابتة ألا وهي (تماسك هذه البلاد) واستقرارها الذي يقف شاهداً على أسس متينة قام عليها الوئام بين أهلها.
إننا نعلم جميعاً بأن هنالك أخطاءً، وتجاوزات وسلبيات في بلادنا، وأن تلك الأخطاء والتجاوزات والسلبيات تحتاج الى حزم وحكمة ووعي وإرادة واخلاص، وشفافية، وعمل جاد مباشر لإصلاحها، ولكن ذلك كله لا يجعلنا ننسى أن هنالك ايجابيات كثيرة جداً وجوانب مشرقة تقوم عليها الحياة المتكاتفة في بلادنا، وأنها هي الأصل، وأن دور الإصلاح الحقيقي يتمثل في دعم الجوانب الإيجابية، ومعالجة الجوانب السلبية بصدق وإخلاص، ومراعاة لضوابط الشرع، وحرص على سلامة المجتمع، وبقاء الاستقرار والأمن فيه.
لا يمكن أن يقوم إصلاح على انحراف، ولا يمكن أن تُبنى صروح على كثيبٍ مهيل من الآراء التي تتحكم فيها العواطف والأهواء، نحن أبناء بلدٍ قوي بإيمانه، وتآلفه وتماسكه، ومهما كانت الأخطاء فإن علاجها يجب أن يتم مع الحفاظ على هذا التماسك والتآلف، ولا يصح لأحد أن يسلك طريق الإرجاف ليصل الى ما يسميه (الإصلاح) كما لا يمكن أن تعالج الأخطاء نفسها بنفسها، بل إنها تحتاج الى تصميم، ومبادرة عملية من ولي الأمر والمسؤولين وعامة الناس لا تحتمل التأخير.
حينما طرح أحد العلماء في عصر الخليفة العباسي المقتدر رأيه المتمثل في إجراء إصلاحات في الدولة، وتوزيع الزكاة توزيعاً عادلاً، وإلزام كبار الشخصيات والتجار بذلك، كان يدرك تماما أن هذا هو طريق القضاء على الحركة القرمطية التي أنشأت دولتها في الصحراء وخدعت الناس بالحديث عن العدل الاجتماعي، والمساواة بين الناس في المصالح الدنيوية، وعندما نفَّذ المقتدر ذلك، انفض الناس عن القرامطة، واستقرت الأوضاع.
إن الدولة القوية، كدولتنا - والحمد لله - تحمل من عوامل القوة والثبات والصمود في وجه الإرجاف الداخلي والخارجي ما يجعلها قادرة على مواجهة من يحاول زعزعة أمنها من قريب أو بعيد.
المهم أن نكون جادين صادقين في مواجهة أهل الإرجاف بهمةٍ واحدة، وإحساس واحد، وأن نكون جادين صادقين مع بعضنا، مخلصين في معالجة أخطائنا وتجاوز مشكلاتنا، وسدّ ثغرات سلبياتنا.
نحن نملك مقومات قوة لا تخفى - ولله الحمد - عقيدةً، وإخاءً، وترابطاً اجتماعياً، واقتصاداً، المهم ألا نضطرب أمام الأحداث.
إشارة:
وطني أنت واحة ورياض
مورقات وديمة هتَّانَهْ |
|