نعوم تشومسكي (ولد 1928) ربما يكون أشهر فيلسوف ومفكر في الغرب، وقلما يكتب عالم أو باحث أو أكاديمي في الشؤون الفكرية أو السياسية إلا ويستشهد برؤيته، أو يقتبس من نتاجه.
وبعيداً عن (الأنا) كانت بيني وبينه رسائل متبادلة عبر البريد الإلكتروني خلال الأشهر الماضية، طلبت منه المشاركة في مشروع فكري عالمي منتظر، يشترك في إعداده مجموعة من العلماء والأكاديميين والسياسيين من المملكة، والولايات المتحدة، وأوروبا، والعالم العربي، استحسن الدعوة، وقدرها، لكنه اعتذر بلطف شديد عن المشاركة لجدوله الممتلئ الساعات والدقائق بواجباته العلمية، ونشاطاته الفكرية، ومشاركاته الدولية لأشهر قادمة.
انتظرت بعدها مدة من الزمن، ثم عاودت الاتصال به مرة أخرى، كتبت له رسالة شخصية قصيرة، جاء فيها: (... عزيزي البرفيسور تشومسكي: إن أطروحاتك الفكرية قد ملأت الدنيا وشغلت الناس، ونحن هنا في الشرق ممن قرأنا ونقرأ لك كثيراً، وقد أبهرتنا قيم العدل والإنصاف في كتاباتك عن قضايانا، وكيف يتعامل الغرب معها، إن مشاركتك في هذا المشروع العالمي تعني لنا ولغيرنا الكثير، نعم نختلف معك في منطلقاتنا الفكرية وخلفياتنا الثقافية، لكن تجمعنا بك القيم الإنسانية النبيلة التي تكررت كثيراً في نتاجك العلمي والفلسفي... ).
استجاب تشومسكي للدعوة، بلطف أيضاً، وأرسل المشاركة.
كانت ردوده تصل خلال ساعات فقط من استلامه الرسالة، وإذا أخذنا في الاعتبار فارق التوقيت الزمني بين المملكة والولايات المتحدة فقد تتضاءل الساعات إلى دقائق.
ومثل تشومسكي - في الولايات المتحدة وأوروبا- أكثر من واحد.. تعجبت لمثل هؤلاء الكبار في احترامهم للآخر وتجاوبهم معه بالسرعة والأريحية التي نفتقدها في الشرق.
تذكرت عدداً ممن وصلتهم الدعوة، بوصفهم رموزاً ثقافية في (شرقنا).. تسويف، ومماطلة، وصدود، وتجاهل.. حتى وإن كانت الدعوة (مدفوعة الثمن)!! منهم من كان يتنقل بين بيروت والقاهرة ولندن ومراكش متتبعاً فرص الظهور الإعلامي، حتى وإن لم تكن له ناقة في الركب ولا جمل، ومنهم من هو مشغول بحجز مقعده في طابور الوجاهة (الوطنية) أو(العربية)، فتراه لاهثاً، يركض لحضور أمسية شعرية، أو ندوة ثقافية، أو مناسبة فكرية تكرس قضايا التخلف في وطننا العربي.
فهل المقارنة بين هؤلاء وأولئك هي دلالة على مستوى الوعي بين الفريقين؟ أرجو ألا تكون الإجابة محبطة، وإن كانت إرهاصاتها تقود إلى النتيجة.
|