تطرقت (الجزيرة) لأخبار الزراعة والمزارعين، ومنها زيارة معالي وزير الزراعة لمنطقة حائل المنشور بالعدد (11751). ولأن الحديث عن الزراعة هذه الأيام يشغل بال المزارعين. ونتيجة لموقف مؤثر لأحد المزارعين الذي جاء بشكل عفوي نتيجة لمرارة المعاناة ومآسيها، هذا المزارع الذي يبلغ من العمر عتياً اعتاد كل يوم أن يقف بسيارته القديمة والمحملة بالورقيات لبيعها بسوق الخضار بحائل، واعتدت أن أشتري منه كلما دعت الحاجة، وكلما رأيت يداه التي تعطي وتأخذ تذكرتُ ذلك الزمن الغابر الذي مر علينا جميعاً وكيف تعايشنا مع مر الحياة وشظف العيش. هذا المزارع المكافح الذي تظهر على ملامحه خيوط من الهموم والغموم لم يستطع البوح بها من تلقاء نفسه.
سألته عن وضع الزراعة، وما استعداده لبدأ الموسم الجديد؟ قال بنبرات حزن: رحم الله الزراعة، قلت: ولما هذا الترحُّم؟ قال: يا ولدي، كانت الزراعة في الماضي مهنة ممتعة نقتات منها قوت يومنا، وفيها نطرد الهموم والغموم. فقلت: ولكنها كانت شاقة ومتعبة، قال: يا ليتها بقيت على شقائها ومتاعبها كما تقول. يا ولدي تتصور أنني الآن أصبحت أحمل هم المزرعة أكثر من هم أبنائي؛ لأنها مصدري الوحيد في ظل الارتفاع الشديد لأسعار الديزل وما لحق بنا مؤخراً من ارتفاع الأسمدة الذي باغتنا على حين غرة، وما نواجهه من ديوان تفجعنا أحياناً به تعطل معدة أو جهاز، وما بين مستحقات حكومية مطالبون بالوفاء بها مقابل محصول يباع سعره بريال للكيلو الواحد، فهل هذا السعر الزهيد يتوافق مع ما ندفعه من محروقات وأسمدة وبذور وأدوية وأجرة عامل وجهد وغيرها؟! وهل هذا السعر يخفف على أقل تقدير الهم والغم الذي تعايشنا معه وأصبح جزءاً منا؟! يا ولدي تمنيت لو كنت بدوياً أقاسي حياة الصحراء بحرها وبردها أخف عليَّ من عناء الزراعة ومآسيها، يا ولدي شحب وجهي، وتخطى الشيب جفون عيني، وخارت قواي، كله بسبب فواجع الزراعة، فلم نلمس طعماً للسعادة أو الراحة!! قلتُ له: يا عمي، هونها تهون، والدنيا لا تستحق أن نعطيها أكثر مما تستحق. قال: صدقت يا ولدي، لكن أنا مسؤول عن أسرة كبيرة، وليس لي وظيفة، مطالب بأن أوفر أدنى متطلبات المعيشة، فما الحل؟ فقلت: لا أملك حلاً إلا الدعاء أن يعينك الله أنت وأمثالك ويكشف غمك ويزيل همك.. فيا ترى ما الحل يا عمي؟! قال: الديزل، الديزل، الديزل، قالها ثلاثاً.
نعم، إنها المعاناة والآهات التي يعيشها هذا وأمثاله، فكم أمرضت الزراعة من صحيح؟! وكم جلبت من هموم وغموم؟! وكم سلبت من سعادة وراحة؟! وكم أحدثت من فواجع وصدمات؟! نعم إن واقع كثير ممن (تورَّطوا) في الزراعة يجعلنا نشفق على وضعهم، ونرثى لحالهم، فقد وضعوا في زاوية لا يمكن الخروج منها، أسعار تستنزف ما في الجيوب، وغلاء فاحش لكل متطلبات الزراعة وحاجاتها.
وهنا مثار العجب والتعجب، فما يباع للمزارع من محروقات وأسمدة قابل للارتفاع في أي وقت، بينما ما يشترى منها يحدد بأسعار زهيدة قابلة للتخفيض، وهنا تكون المعادلة غير متكافئة. والسؤال الذي يملك الإجابة عنه وزير الزراعة: هل من حل لمشاكل المزارعين فيما يتعلق بأسعار الديزل والأسمدة كونهما مصنعين ومنتجين محليين؟!
|