Friday 17th December,200411768العددالجمعة 5 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "الرأي"

توفيق الحكيم الفيلسوف في نوادره وفكاهاته توفيق الحكيم الفيلسوف في نوادره وفكاهاته
وسيلة محمود الحلبي/ عضو جمعية هيئة الصحفيين السعوديين - كاتبة ومحررة صحفية

* الكاتب الراحل توفيق الحكيم ترك لنا أكثر من مائة مؤلف أدبي ما بين القصة والمسرحية والرواية والدراسة والمقالات التي جعلته رائداً من رواد الأدب العربي المعاصر، ورائداً للمسرح العربي الحديث.
كانت أمنية الكاتب توفيق الحكيم أن يكون مطرباً ينافس محمد عبد الوهاب في غنائه، ولذا فقد عاش حياته كلها بروح الفنان أكثر مما عاشها بروح الكاتب الأدبي، وكان يعيش بين الفنانين أكثر مما يعيش بين الكتاب والأدباء لأن والدته أحبطت في داخله فكرة أن يكون فناناً عندما لقنته علقةً ساخنة لا ينساها عندما ضبطته وهو يتعلم العزف على العود على يد الاسطى حميدة الاسكندرانية التي أهداها مقدمة كتابه (أهل الفن).
* الفن يربح: كان الراحل توفيق الحكيم يرى أن الفن أكثر ربحا من الأدب، وأن ما يكسبه مطرب مثل محمد عبد الوهاب في شهر يعادل ما يكسبه الأديب في سنة كاملة، ويبدو أن بذرة الفن التي أحبطتها والدته في داخله لم تمت، فقد ورثها عنه ابنه الراحل سليمان الحكيم عندما احترف الموسيقى، وكان من أشهر عازفي الجيتار والأورج، وكون فرقة موسيقية إلى أن ذهب ضحية حادث أليم ترك في نفس توفيق الحكيم أثراً كبيراً وجرحاً عميقاً، ولأن الفنان كان يتنفس في داخل توفيق الحكيم فقد كان من خيرة (السميعة) و(الذويقة) وكان يقدر غناء سلامة حجازي، وعبده الحامولي, وصالح عبد الحي، وأم كلثوم، ومنيرة المهدية، ومحمد عبد الوهاب، وظل منغمساً في حياة الفن، وقد كتب أول مسرحياته لفرقة أولاد عكاشة، وكتب لغيرها من الفرق الأخرى.
هذا وتعرف الناس في توفيق الحكيم الفيلسوف صاحب نظرية التعادلية والأديب الكبير الذي طبق فلسفته هذه في كل أعماله الأدبية والكاتب المعاصر الفذ الذي لم ينافسه في كتاباته المسرحية الذي لم يتخلف عن كل المدارس المسرحية الحديثة عندما كتب لا معقولياته في (الطعام لكل فم) (ياطالع الشجرة) وعرفه الناس إنساناً جاداً في أسلوبه وأعماله (عدو المرأة.. النحيل) ولم يعرفوا فيه الجانب الآخر وهو خفة ظله ونوادره الفكاهية الظريفة التي جعلته من ظرفاء العصر دون أن يدري أحد، أو يهتم أو يتوقف عند هذه النقطة فيه بالذات.
* ومن نوادر الكاتب الحكيم التي لا يعرفها إلاَّ القليل:
أن أحد الأدباء شكا إليه من عدم امكانية شراء جميع الصحف كل يوم لأن ذلك يكلفه ما لا طاقة له به، فقال له توفيق الحكيم ناصحاً: اشتر جريدة واحدة كالاهرام مثلاً وابدأ في اليوم الأول بقراءة صفحة منها، وفي الثاني اقرأ نصف صفحة، وفي اليوم الثالث ربع صفحة، وهكذا لغاية ما تبطَّل قراءة).
وهناك سمةً أخرى وهي: أنه التقى بصديق ذات مرة وجلسا في مقهى يتفكهان وعرف صاحبه أن الحكيم مصاب بأمراض وأعراض مرضية لا تحصى فقال له:
يا أخي عيب عليك اسمك، اذا أنت اسمك توفيق الحكيم كان بزيادة عليك مرض واحد، ماذا لو لم تكن حكيماً؟
فضحك توفيق الحكيم لغباء صاحب المقهى وقال (باب النجار مخلَّع).
وفي إحدى المرات ذهب توفيق الحكيم لتقديم واجب العزاء لصديق له مات أبوه: فلما دخل سرادق المأتم سأله صديقه (أين المتوفى) كيف مات اليوم يا ترى؟ فأجابه ابن المتوفى أبداً يا أستاذ توفيق أصابه برد.
هنا قال له توفيق الحكيم بسيطة لا تخاف أنا ولا عبد الوهاب. مرة أخرى كان توفيق الحكيم يجلس في مكتبه بجريدة الأهرام منهمكاً في كتابة مفكرته التي كانت تنشر كل أسبوع، ودق جرس الهاتف، ورفع توفيق الحكيم السماعة. فإذا بصوت نسائي:
- انت الاستاذ توفيق الحكيم؟
- فأكد لها أنه هو بعينه وليس شخصاً آخر؟
- فقالت له: أُمال صوتك وحش كده ليه.
- فأجابها انت عايزة توفيق الحكيم ولا محمد عبد الوهاب.
نوادر لم تُدَوّنْ
وما أكثر نوادر توفيق الحكيم مع السيدة أم كلثوم والكاتب نجيب محفوظ، والكاتب يوسف السباعي وغيرهم..
وللأسف الشديد لم يسجل أحد هذه النوادر أو بدونها على الورق لأنها ثروة أدبية تكشف لنا جانباً آخر من جوانب السخرية والفكاهة في روح أديبنا الراحل الكبير، وكلها تكشف لنا غير ما دونه فيما كتبه عن (حمار الحكيم) أو (انا والعصار والبريَّة) أو غيرها عن الزمن الماضي الذي كان يعيشه الأديب ويعاني فيه كي يصل بفنه وأدبه إلى الناس في وقت كانت تنظر فيه الناس إلى الفن على أنه أحط الأعمال الاجتماعية.
أهل الفن زمان
برغم ما كان لهم من سلبيات وأخطار ومتناقضات إلاَّ أن إيجابياتهم في بناء صرح الفن ووضع حجر أساسه كان هو أهم إيجابياتهم، ولو لا ذلك ما كان الفنان اليوم قد وصل الى ما وصل اليه من مجدٍ وشهرة وجاهٍ ومالٍ وأجرٍ خرافي لم يحصل على نصفه أو ربعه أهل الفن زمان.
إننا ننظر إلى أهل الفن زمان بالمقارنة مع أهل الفن اليوم عندما نشاهد أعمال هؤلاء وهؤلاء على أن من أهل الفن زمان كان كله ناجحاً ولم يتعرض منهم أحد إلى الفشل الفني لأن الحقيقة غير ذلك تماماً.
إن عمالقة الفن زمان الذين أثروا بأعمالهم فنياً وفي عصرهم عانوا أيضا من فشل بعض أعمالهم الفنية في وقتها، وعند عرضها، والغريب أنه حين أعيد عرض هذه الأعمال في أيامنا هذه لاقت كل نجاح، وكان هؤلاء العمالقة لهم وجهة نظر بعيدة تسبق تفكير أهل عصرهم.
فالعملاق يوسف وهبي باء بالفشل في كفاحه الفني مرتين حتى اشهر إفلاسه ووقع الحجز على ممتلكاته المادية والعينية مرتين، يوسف وهبي الذي بنى مدينة رمسيس الفنية اتسعت لمسرح فرقته، ومسرح آخر لمن شاء تأجيره، واستديو إذاعي، ومحطة إذاعية كان اسمها (راديو رمسيس) ودار عرض سينمائية صيفية، ومقهى بلدي وكافتيريا حديقة، وفي المقهى البلدي كان يغني مطربو الأغاني البلدية مثل محمد الكحلاوي.
وهذه المدينة لم تلق الإقبال من الرواد وكانت صفقة خاسرة تسببت فيما تراكم على يوسف وهبي من ديون.
* وبعد: هذا هو الكاتب الفيلسوف توفيق الحكيم.. ونقطة في بحر نوادره وفكاهاته أحببت ان أنقلها للقراء الكرام ليعيشوه كما عشته.. إنه الفيلسوف الفذ.
* لحظة عطاء: قال الشاعر إبراهيم ناجي في إحدى قصائده:


يا غراماً ماكان مني في دمي
قدراً كالموت أو في طعمه
ما قضينا ساعة في عرسه
وقضينا العمر في مأتمه
ما انتزاعي دمعة من عينه
واغتصابي بسمةً من فمه
ليت شعري أين منه مهربي
أين يمضي هارب من دمه

تنهيدة
ولقد عرجت إليك أختلس الزمان من الشجونِ
وسبحت.. لا قنديل عندي غير حبك أو جنوني
رحلت عيونك في عيوني
فاستجاب لها يقيني
للتواصل: تليفاكس 2317743
ص.ب 40799 - الرياض 11511


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved