لا بد للداعية من زاد يعينه ويصبره على مشاق الطريق، ويؤنس وحشته إذا ادلهمت الخطوب، وقل المعين وتكالب الأعداء، فزاد الداعية إلى الله بمثابة الماء والتربة والهواء والشمس بالنسبة للنبات، فإذا كانت هذه مكونات حياة النبات، فيا ترى ما هي مكونات حياة الدعاة، وما مدى أهميته؟! إنه سؤال جدير بالطرح وبالذات في زماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن وطغت فيه المغريات!!، أما الأهمية فهي بمكان!! فالداعية إلى الله عمله شاق ولا يعرف البتة ما يسمى بالإجازة أو التوقف عن العمل، فهو يعمل في أي وقت، وتحت أي ظرف، إن ألقى محاضرة فهو يدعو، إن كتب مقالاً، فهو يدعو، إن زار مريضاً فهو يدعو، إن أجاب دعوة وليمة عرس أو نحوها فهو يدعو، بل إن أقام طعام غداء أو عشاء فهو يدعو، إن سلّم على الناس وتبسّم لهم فهو يدعو، بل إن وجوده بسمته ولباسه وهيئته في أحيان كثيرة يكون دعوة، ولو كان صامتاً لايحرك شيئاً فهو مبارك أينما كان!! كما أن من أهمية زاد الداعية إلى الله حاجة الناس كلهم الى دعوته دون استثناء!! فالداعية تراه بلسماً للجراح وبداية للأفراح ومهماً في الأتراح!!
فعلى سبيل المثال إن جئنا للجراح فكم من خلاف عائلي ردم هوته الدعاة، وإن جئنا للأفراح فأي نكاح لابد أن يبرم عقده الداعية إلى الله، وإن جئنا للأتراح فأي منا بعد عمر طويل وحسن عمل يرضى ان يغسله إلا داعية إلى الله!! وهل رأيتم ميتاً يبحث عن أهله عمن هب ودب لتغسيله؟!
وبعد الحديث عن شيء من أهمية زاد الداعية من المهم الحديث عن مكونات ذلك الزاد!!؟
فلا بد من لزوم ذكر الله فهو اطمئنان وثبات جنان وجنة الدنيا وألذ ما فيها قال تعالى: {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (هما جنتان إحداهما في الدنيا والثانية في الآخرة، فأما جنة الدنيا فهي أنس العبد بذكره لربه سبحانه، وأما جنة الآخرة فهي التي وعدنا الله إياها، فمن لم يدخل جنة الدنيا لم يدخل جنة الآخرة).
ومن مكونات زاد الداعية شعار أهل الفضل والصلاح ذلك الشعار الذي لا يعرفه الساهرون في الطبل والزمر والقيل والقال، إنما يعرفه الذين قال الله عنهم: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا} ألا وهو قيام الليل!! ومن مكونات زاد الداعية أيضا: الصيام تلك التربية العظيمة للنفس والعبادة التي لا يعلمها إلا الله جل وعلا، وكذلك الاعتكاف، ورحمة الفقراء والعطف على المساكين، وشتى طرق الخير!! وخير معين للداعية في دعوته زوجة صالحة معينة له تقدر تعبه وتربي ولده وتهيئ له بيته، لذا فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بذات الدين، ولا يغيب عن الأذهان أبدا موقف أم المؤمنين خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزل عليه الوحي لأول مرة!! ومن العون للداعية أن يخلص نيته لله وحده، فلا ينتظر ممن يدعوهم جزاء ولا شكوراً وأن يصطفي من الناس رفقة صالحة مصلحة، لا صالحة في نفسها غير مصلحة لغيرها.
تلكم خواطر حول ذلك الزاد الذي كل واحد منا بحاجة إليه فكلنا دعاة الى الله جل وعلا فنحن من أمة قال الله جل وعلا في شأنها: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
|