إن موضوع تفسير الرؤى والأحلام راجت سوقه في هذا الوقت، وعظم الاهتمام به في طبقات عدة من الناس، واحتاج هذا الموضوع إلى ايضاح وتفصيل لأحكامه، تبصرة وذكرى، وللتنبيه على الأخطاء في فهم الموضوع.
* فأولاً: قد صح في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة) ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بستة أشهر كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ومدة نبوته في مكة ثم المدينة ثلاث وعشرون سنة، فصح ان الستة أشهر بالنسبة إلى الثلاث والعشرين سنة جزء من ستة وأربعين جزءاً، وقيل غير ذلك من الأوجه فالله أعلم.
* ثانياً: قسّم العلماء ما يراه الناس في مناماتهم إلى ثلاثة أقسام:
1- رؤيا صالحة، فهي من الله عز وجل بشرى وفرح وتطمين.
2- وحلم مؤذ من الشيطان، تحزين وتخويف وأذى.
3- أضغاث أحلام، وحديث نفس لا أثر له، وربما رجع إلى أحد النوعين السابقين فالحاصل أن المعتبر في القسمين الأولين.
ثالثاً: للرؤى الصالحة أحكام واعتبارات يجب مراعاتها والتنبه لها:
- فهي بشرى وتطمين من الله عز وجل.
- وينبغي حمد الله عليها والثناء عليه بها.
- وألا يحدث بها الإنسان إلا من يحبه، ويتمنى له الخير، ولا يعرضها إلا على لبيب عالم ناصح، يظن فيه الخير، وهو من أهل الصدق والأمانة، وليحذر أهل الهوى والتعالم والادعاء.
* رابعا: إن للحلم الذي هو تحزين واقراع من الشيطان احكام صحت في السنة النبوية وتجب مراعاتها والعمل بها وأهمها:
1- إذا رأيت حلماً مفزعاً، فانتبهت من نومك، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، حيث هو سبب هذا التحزين ثلاثا عن شمالك.
2- تعوذ بالله أيضاً من شر ما رأيت، ثلاثاً، فإنها لا تضرك بإذن الله.
3- وتحول إلى الجهة الأخرى من منامك، فإن نمت على جانبك الأيمن فانتقل إلى الجانب الأيسر، وان كنت على الجانب الأيسر فانتقل إلى الأيمن، وان كنت على ظهرك، فانتقل إلى الجانب الأيمن.
4- فإن تكررت الأحلام والمنامات المزعجة عليك، فقم وتوضأ ثم صل ركعتين واعلم انها لا تضرك إن شاء الله، وبهذا تحزن وتكيد أنت الشيطان.
5- يجب عليك ألا تتحدث بهذا الحلم أو تشغل به نفسك وخاطرك بالتفكير فيه، لأنه لا يضرك والحالة هذه.
كما يجب أن تنتبه إلى ألا تسأل عن هذا الحلم في تعبيره وتفسيره لأنه لا يعدو أن يكون من عدوك الشيطان تحزينا لك وتخويفا وإفزاعا، واهمالك له، عدم انشغالك به دحر لهذا الخبيث وراحة لبالك ونفسك.
* خامساً: يجب العلم بأنه لا يترتب على المنامات أي أحكام دينية شرعية أو اعتقادات، لأن العلم والقول والاعتقاد مبني على الوحي الشريف من كلام الله القرآن، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة فقط.
حيث يبني الصوفية وأهل البدع والخرافة والشعوذة، وبعض الفرق وأهل الهوى على الرؤى المنامية أحكاماً شرعية، واعتقادات دينية ليست صحيحة، بل هي من الهوى والشيطان، ويعتبرون المنام مصدراً من مصادر الديانة بالإلهام.
* سادساً: يجب على المسلم العاقل - ولا سيما النساء وضعاف الإيمان - الحذر من مدعي التعبير من المتعالمين والجهال وأهل الكذب والشعوذة والخرافة الذين يدعون علم الغيب، ويروجون على الناس بدعوى تعبير المنام! والا يعرض المسلم ما تشدد الحاجة إلى تعبيره من منامه إلا على أهل العلم والصدق والخبرة والديانة فقط، ويحذر من سواهم أشد الحذر.
* سابعاً: لا يسوغ للمؤمن أن يسأل عن كل رؤيا ومنام رآه، بل يكون عاقلاً فطناً.
كما لا يليق تضييع الأوقات بالجلوس لتعبير الرؤى أو نشر الهواتف والعناوين، والمراسلات، وإبراز وسائل الإعلام للقضايا الشخصية والمنامات الخاصة، فإن هذا من عدم الستر، ومن الترويج الفاسد لهذه البضاعة، وتضليل الناس وتشويش عقولهم وقلوبهم مع ما يضاف إلى هذا العبث من حب الشهرة والظهور، وعطف الناس إليهم مما هو فتنة للناس ولهم.
والمناط في ذلك كله، والمدار على تقوى الله ومخافته ومراقبته، وخشيته واني أخشى أن ينصرف الناس عبر تطاول الزمن على الوحي الإلهي في كتابه وسنة نبيه إلى الأوهام والظنون والأهواء، من خلال التعلق بالرؤى والمنامات وما يجره ذلك من الخرافات، فينزلقون في مهاوي التصوف وشطحات الصوفية لا سيما إذا استصحبنا ان المنشغل في التعبير والبحث عنه في جمهرتهم من العوام وانصاف المتعلمين ولا أظن دعوى ادعاء المهدي المنتظر عنا ببعيدة وما جرته على العباد والبلاد وعلى حرمة الله من الفتنة الهوجاء، والله المستعان وهو المسؤول أن يلهمنا رشدنا ويوفقنا للفقه في دينه، والثبات عليه وأن يتولانا برحمته ويختم لنا برضوانه وهو سبحانه ولي التوفيق والله أعلم،
( * ) المدرس بقسم العقيدة بجامعة الإمام بالرياض |