* القاهرة -مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
أكَّد عدد من الخبراء السعوديين المشاركين في المؤتمر الدولي للحوار العربي الأوربي الذي عُقد في القاهرة تحت رعاية الجامعة العربية أن المملكة كانت سبَّاقة في المبادرة إلى دراسة صورة العرب والمسلمين في المناهج الدراسية في الغرب، وأنها شكلت في هذا الإطار فريقاً من الباحثين يتكون من 25 فرداً لإجراء مجموعة من الأبحاث العلمية حول الكتب المدرسية في العديد من الدول الغربية التي تحتوي على الكثير من المغالطات حول العرب والمسلمين وترسم لهم صورة نمطية غير صحيحة.
وقال الخبراء الذين استضافهم الملحق الثقافي للمملكة في القاهرة محمد بن عبد العزيز العقيل في صالونه الثقافي على هامش مشاركتهم في المؤتمر: إن هناك حملات ضد العرب والمسلمين في المناهج الدراسية ببعض الدول الغربية، وإن هناك مَن يحاول حشو هذه المناهج بالكثير من المغالطات التي تشوِّه صورتنا عند النشء في الغرب، حتى إن هناك دراسات حديثة تؤكد تصاعد مشاعر الكراهية للعرب عند جيل الصغار من سن 10 إلى 16 سنة في بعض الدول الغربية بسبب ما تحتويه هذه المناهج من مغالطات.
(الجزيرة) كانت هناك ورصدت ما قاله الخبراء حول هذا الموضوع.
خط دفاعي علمي
في البداية يقول الدكتور إبراهيم بن حمد القعيد رئيس دار المعرفة للاستشارات والتدريب بالمملكة والمشرف على فريق الباحثين: إن هناك أصوات كثيرة في الغرب تطالب بضرورة تغيير المناهج الدراسية في البلدان العربية والإسلامية بدعوى أنها تدعو إلى الإرهاب والعنف والتطرف ونبذ الآخر، في حين أن الأبحاث والدراسات التي أجريناها أكدت أن المناهج الدراسية التي تُدرَّس في دول عديدة مثل أمريكا وبريطانيا وإسرائيل مليئة بالمغالطات وترسم صورة مشوهة للعرب والمسلمين، وتحض الدارسين على كراهية العربي والمسلم ونبذه. وكانت هذه الدراسات التي أجريناها في دول عديدة منها الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل هي خط الدفاع العلمي عن صورتنا المشوهة في الغرب، وقد أُجريت بدعم كثير من المؤسسات لمعرفة كيف تتناول هذه المناهج صورة العرب والمسلمين، وسوف تُترجم هذه الأبحاث إلى لغات أخرى وتوزَّع على المؤسسات والأفراد والباحثين المهتمين في هذا الشأن، وستوضع على مواقع في الإنترنت؛ لتكون متاحة لكل مَن يهتم بهذا الموضوع، ولفضح مثل هذه المؤامرات لتشويه صورتنا، كما سيتم إرسالها إلى المسؤولين عن المناهج في هذه الدول لدراسة ما بها من ملاحظات وتوصيات.
وأشار الدكتور علي بن صالح الخبتي الوكيل المساعد للبحوث العلمية بوزارة التربية والتعليم بالمملكة إلى أن هناك تشويهاً كبيراً تتعرض له صورة العرب والمسلمين في مناهج الدول الغربية، في الوقت الذي يفترض أن تكون فيه هذه المناهج وسيلة فعالة للتواصل والتعايش وفهم الآخر، ونحن لا نريد تمجيداً للعرب والمسلمين، وكل ما نريده هو القول الحق؛ فالإسلام فيه قيم سمحة مقبولة عالمياً، ومنها السلام والعدل والمحبة والتسامح والتعايش، وقد عملنا تحت مبدأ أن كل ما هو مختلف ليس سيئاً، وكنا نريد أن نعرف ما الذي يقولونه عنا في مناهجهم خطأً؛ حتى نطالب بتصحيحه، فنحن لدينا قيم، وهم لديهم قيم، ونريد التعايش مع ما اتفق بيننا من قيم، ونتسامح مع ما اختلف منها، وهذا هو الحوار. وقال: إن البحث الذي قمنا به في المناهج الإسرائيلية تناول 120 كتاباً مختلفاً، وتم التركيز على 23 كتاباً فيه تشويه لصورة العرب والمسلمين، وقد وجدنا أن هذه الكتب تتعمَّد تشويه الحقائق في أذهان النشء وتقدِّم له صوراً خاطئة تحضُّه على كراهية كل ما هو عربي ومسلم، فمناهج إسرائيل تتحدث بصورة مشوهة عن القرآن وعن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أركان الإسلام، وتصف العرب والمسلمين بأبشع الصفات وتصوِّرهم على أنهم متخلفون وقراصنة ينشرون الفساد والأمراض ولا يجب التعامل معهم.
كراهية أمريكية
وأكد الدكتور أحمد عبد الله البنيان أستاذ اللغويات المشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ورئيس الجمعية العلمية السعودية للغات والترجمة أن هذه البحوث والدراسات تعتبر خطوة مهمة في اتجاه تصحيح بعض المفاهيم التي توجد في بعض الكتب والمناهج في الغرب عن الإسلام، وأشار إلى أنه قدَّم بحثاً عن تحليل الكتب المدرسية الأمريكية، مشيراً إلى أن البحث تناول 300 كتاب تُدرَّس في كافة العلوم في أمريكا، وتم التركيز على الكتب التي تتضمن إشارات عن العرب والمسلمين، وعددها 52 كتاباً، وركَّزنا أيضاً على الكتب الأكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، واعتمدنا في ذلك على إحصاءات مركز الكتب الأمريكي، واستند البحث على تحليل خمسة أبعاد في هذه المناهج (الإسلامي - الثقافي - القومي - الحضاري - الاقتصادي)، وتم دراسة ما يخص هذه الأبعاد من حيث تناول الكتب والمناهج للعرب والمسلمين، وتحليل مواقفها من حيث السلب والإيجاب والحياد، ووجدنا في المناهج الأمريكية ما يقارب نسبة 27% ترسم صورة سلبية للعرب والمسلمين، ومثل هذه الصورة إما ناتجة عن خطأ أو نقص معلومات أو محاولة متعمدة لتشويه الحقائق، أو تم اختيارها بطريقة انتقائية، وقد أرفقنا بهذه النتائج عدة توصيات؛ لتكون خطوة نحو تصحيح صورتنا المشوهة في المناهج الأمريكية والغربية.
وأشار البنيان إلى أن فريق الدراسة حرص على الاتصال بالمراكز الإسلامية في أمريكا، وبالمجالس التعليمية الأمريكية؛ لنقدِّم لهم ملاحظاتنا على ما نجده من تشويه لصورة العرب والمسلمين في مناهجهم، وقد سبق أن استجابت هذه المجالس التعليمية لملاحظات العرب والمسلمين هناك وصحَّحوا أخطاء كانت موجودة في بعض المناهج، وطلبوا منهم مراجعة الكتب الأخرى، ولهذا فجهودنا في هذا المجال ضرورية لتوصيل رسالة إلى المسؤولين هناك تلفت نظرهم إلى هذا التشويه المتعمد لصورتنا في مناهجهم.
بُعد آخر
أما الدكتور عبد الله العسكر أستاذ التاريخ بجامعة الملك سعود والمستشار بوزارة التعليم العالي فكان له رأي آخر فيما يتعلق بمحاولات تشويه صورة العرب والمسلمين في الغرب؛ حيث قال: إن هناك أسباباً عديدة وراء تشويه صورتنا في مناهج الغرب، منها أن مؤلفي المناهج هناك لا يعرفوننا قوماً وثقافةً وبلداناً، ونحن نعرف عنهم أكثر مما يعرفون عنا، ولذلك نحن نطلب مستحيلاً حينما نطلب منهم أن يقولوا عنا أشياء صحيحة، وأعتقد أنهم يعاملوننا سواءً بسواء مع دول أخرى في إفريقية وآسيا في مناهجهم، ولا أعتقد أننا مستهدفون من قِبَل واضعي هذه المناهج. وأضاف أن المناهج في هذه الدول ليست موضوعة من قِبَل الحكومة، بل يضعها ناس مستقلون، وتختلف في أمريكا من ولاية لولاية أخرى، بل إن هناك ولايات لا تضع مناهج دراسية وتترك الدراسة حرة للمعلم والتلميذ، وأخشى أن ننشغل في ذلك عن المشكلة والسبب الأساسي في تشويه صورتنا، وهو الإعلام الغربي وما يبثُّه عنا من معلومات مغلوطة.
واتفق الأستاذ زياد الدريس رئيس تحرير مجلة المعرفة الصادرة عن وزارة التربية والتعليم مع ما قاله الدكتور العسكر قائلاً: إن الصورة المشوهة ليست دوماً صورة متعمَّدة، وفي كثير من الحالات يتم ذلك بسبب غياب المعلومة الصادقة، وهذا ما نشارك نحن في تحمل مسؤوليته، والإعلام يتحمل الجزء الأكبر في هذا، خاصة إذا كان قد فشل في تعريف الآخر بنا وبحقيقتنا وثقافتنا وقِيَمنا. وأشار إلى أنه يجب ألا نتفاءل كثيراً بالمطالبة بتحسين صورتنا في الغرب، فهم عندما يتحدثون عنا لا شك أن هناك عواطف ومواقف خاصة تجاهنا تحكمهم ويصعب تغييرها، فلا نتوقع مثلاً من مناهجهم عندما تتحدث عن صلاح الدين الأيوبي أن تصفه بالبطولة والشجاعة والدفاع عن الحق والمقدسات، كما لا يمكننا نحن أن نتحدث في مناهجنا عن ريتشارد قلب الأسد بأنه كان يدافع عن الحق عندما جاء إلى بيت المقدس غازياً. ولذلك يجب ألا نتناسى التأثير الأيدلوجي والوجداني الذي تُمليه ثقافة أو حضارة على مواقفها من الآخر دون تعمُّدٍ للتشويه أو تزييف الحقائق التاريخية أو المعرفية، وأعتقد أن كل ما نحتاجه حالياً هو جهد أكبر لتحسين الأصل حتى تتحسن صورتنا تلقائياً.
|