في فترات عديدة من العمر تنتاب المرء بين الفينة والأخرى مشاعر إحباط لا يعلم لها سبباً جلياً، غير أنه يعيش الإحباط بما فيه من ألم وبؤس، ويرى العالم من حوله سواداً حالكاً وليلاً دامساً، لكنه عندما يمعن في ذلك الإحباط يراه مسبباً لا محالة، ومن الأسباب ما هو عاطفي أو مالي أو صحي، ومنه ما يكون كبير الشأن، سامي الهدف، أو قد يكون من الصغائر التي لا تستحق النظر إليها، لكن التأثير يقع تحت مسمى الإحباط، وهذا الإحباط يتدرج في حجمه بقدر تفاعل الفرد النفسي مع الحدث وبمقدار الحدث ذاته، وتأثير الغير على المحيط.
يمر العالم اليوم بعوامل تدعو إلى الإحباط فهناك أوضاع عالمية مأساوية سياسية واقتصادية وثقافية، فالسياسة العالمية أخذت تتبلور لتلبس ثوباً جديداً فيه الغث والسمين، والخير والشر، والصواب والخطأ، ومرحلة كهذه لا بد أن تجلب معها شيئاً من التشاؤم والإحباط مهما كان الإنسان متفائلاً بطبعه، والاقتصاد العالمي يمر بمرحلة عدم اليقين وفقدان الثقة، فالاقتصاديات الرائدة في العالم تهاوت وظلت كذلك لمدة غير يسيرة فالعالم شهد في السنوات الأخيرة انهيار الأسواق المالية في الولايات المتحدة الأمريكية ولحقت بها بعض الدول الأوروبية بالتبعية، وفي كل يوم تنفرج الأرقام لتعطي المتعاملين في السوق بصيص أمل يجعلهم يهرولون لشم رائحة ذلك العبق لعل وراءه شيئاً من الثمار تجنى، ويتغنى المحللون بتلك الأرقام المبشرة، ويقدمون النصائح تلو النصائح، فيندفع المغبون أملاً في شيء من التصحيح، لكنه وبعد برهة من الزمن يجد نفسه قد أضاف إلى خسارته خسارة أخرى، وهكذا يتم مسلسل الإحباط.
وفي الثقافة تخرج بعض الأقلام لتوسع شق الخلاف بين الحضارات العالمية المتباينة وتدس الكثير من السموم متجنية على الحضارات المختلفة ملصقة بها ما ليس فيها، أو قد تنتقي من حضارة ما، ما قد يعلق بها من شوائب هي منها براء، وتوسع دائرتها وتضخم حجمها فتبدو تلك الحضارة للرائي وكأنها قد تجسدت في تلك النقطة النشاز الدخيلة.
ثم توظف هذه الرؤية لتضليل الكثير من الناس الذين لا يشاهدون إلا ما يطرح لهم عبر التلفاز، ولا يقرءون إلا ما يراد لهم أن يقرءوه وعبر نوافذ محددة. ولا يكلفون أنفسهم عناء التعرف على الوجه الحقيقي للحضارة من واقع مصادر أخرى أكثر إنصافاً وواقعية، وهم في ذلك معذورون، لأن المبرر لمثل هذا العمل غير موجود، ولهذا كان لزاماً على أصحاب تلك الحضارات تقديم غذائهم إلى موائد هؤلاء المتلقين عبر الوسائل المتاحة ومزاحمة تلك الأقلام غير المنصفة.
إن الإحباط سيظل يداهم الفرد في حياته، وعليه أن يكون حليماً صبوراً واضعاً ثقته في ربه، وأن يكون دؤوباً على العمل الصادق المخلص، البعيد عن المماحكة والمماطلة، فقد سئم العالم هلامية العمل، وأيقن الجميع أن النتائج الحقيقية هي المقنعة ولا شيء سواها.
|