Friday 17th December,200411768العددالجمعة 5 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "مقـالات"

كتاب في سيرة عالم كتاب في سيرة عالم
د. محمد بن سعد الشويعر

الكتاب الذي سنمر به: هو الدرّ المصون في سيرة الشيخ صالح بن علي بن غصون، أما العالم فبان لنا من عنوان الكتاب، وكما يقول العرب قديماً: بأن الكتاب يقرأ من عنوانه.. أما الذي جمع وأعد مادة هذا الكتاب فهو الدكتور: طارق بن محمد الخويطر، والناشر دار أشبيليا للنشر والتوزيع بالرياض، خرجت الطبعة الأولى في عام 1424هـ، وجميع حقوق الطبع لورثة الشيخ صالح - رحمه الله -.
يقع الكتاب في 432 صفحة من القطع المتوسط المعتاد، بطباعة أنيقة لم تسلم من الأخطاء الطباعية القليلة.
ولئن كان المؤلف قد استوفى سيرة الشيخ صالح - رحمه الله -، فإنها سيرة حميدة تنبئ عن مكانة هذا العالم الذي فقده طلابه ومحبوه، وترك ثغرة يعرفها عنه من التصق به: حباً للخير ودماثة خلق، وتواضعاً وفتيا لكل سائل، بالهاتف والمشافهة.
وقد بدأه بمقدمة لسماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ، وثنى بنبذة من سماحته على هذا الكتاب الذي يظهر لي اطلاع سماحة المفتي على مخطوطته قبل الطبع، حيث كان سماحة الشيخ عند وفاة الشيخ
نائباً للمفتي العام، وعند الطبع كان مفتياً.
أعقب ذلك ما يبرز مكانة العلماء في قلوب ولاة الأمر، وقربهم منهم، حيث نعاه الديوان الملكي، ثم بعث خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، وسمو النائب الثاني التعازي لأبنائه، وتقدم المصلين عليه سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز، والأمراء والعلماء وجموع كبيرة، حتى أنهم لمكانته عندهم ومحبتهم له حملوه على الأعناق من مسجد الراجحي إلى المقبرة، فتحقق فيه قول أحمد بن حنبل: الموعد يوم الجنائز.
ولد في مدينة الرس عام 1341هـ أو 1342هـ، مات والده وهو صغير، وفقد بصره بعد وفاة والده بعامين، وكان عمره 15 سنة.
نشأ في بيت صلاح وورع فتأثر بذلك، مع فقره ويذكر المؤلف أن لأمه دوراً كبيراً في حسن توجيهه ودعائها له، وبعدها حفظ القرآن الكريم، سافر في عام 1357هـ، وهو العام الذي خرج كثير من أبناء الرس فيه لطلب العلم بالرياض، التي كانت مقصداً لراغبي المعرفة في مجالس كبار العلماء: كالشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبداللطيف بن إبراهيم والشيخ عبدالله بن حميد، وابن فارس وغيرهم وكان الشيخ محمد بن إبراهيم معجباً بذكائه وقوة ذاكرته ويتوسم فيه الخير، بان ذلك من كثرة محفوظاته أمام الشيخ.
ثم بادر الشيخ محمد بترشيحه للقضاء أمام الملك وولي العهد، فتم في عام 1368هـ تعيينه قاضياً في سدير، فكان قاضياً وفتح باباً لطلاب العلم هناك، وتحقق على يديه الخير الكثير، فالعالم أينما حل - كالغيث - نفع.
بعد عمله في سدير أربعة أعوام، حيث تم نقله لقضاء شقراء وتوابعها، وفي عام 1374هـ فتح معهد شقراء العلمي، فكلفه شيخه: محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية بتدريس التوحيد والفقه، في المعهد مع عمله في القضاء، فكان نعم المدرس، ونعم القاضي: أمانة وعلماً ونصحاً، وحرصاً على أداء العمل ونفع الناس، علاوة على أحاديثه ودروسه للعامة في الجامع، وتخصيص أوقات للطلاب.
وفي عام 1381هـ انتقل إلى رئاسة محاكم الأحساء، وبقي في عمله هذا عشر سنين، حيث انتقل لمحكمة التمييز عام 1390هـ وفي عام 1401هـ انتقل للعمل في مجلس القضاء الأعلى، وبقي فيه حتى طلب التقاعد عام 1409هـ.
وفي عام 1391هـ عُيِّن عضواً في هيئة كبار العلماء بالمملكة، ومع ذلك كانت له مشاركات في الفتوى بنور على الدرب، الذي يذاع من محطة القرآن الكريم، وحتى الآن، وفتاواه تنشر بهذا البرنامج، وهذا من العلم النافع الذي يستمر أجره.
وكان آخر ما سجل في هذا البرنامج في شعبان عام 1419هـ رغم مرضه الشديد، ولكنه حرص العالم بنشر ما أعطاه الله، خاصة وأن الأمة في حاجة إليه، حيث عرف نصحه وصدق فتواه، وبساطته في إجابة المسلمين في كل مكان ولئن كان الشيخ صالح، لم يترك مؤلفات، فلقد ترك تلاميذ كثيرين، حملوا عنه علماً، وفتاوى لو جمعت ورتبت، لكانت أسفاراً، وأحكاماً قضائية صائبة ومنصفة إذ لم يعرف في حياته استدراك عليه فيها.
أما عن صفاته وأخلاقه، فقد تعرض لها المؤلف، وأبانها عارفو مكانة هذا الشيخ الجليل القدر، الذي ينطبق فيه قول الشاعر:


سيذكرني قومي إذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر

حيث أفرد المؤلف الفصل الثاني، لأقلام محبيه، من علماء ورجال علم وأدب وعددهم أكثر، من ص 69-165 بدأهم المؤلف بذكريات الدكتور زاهر الألمعي، وانتهاء بكلمة لمعالي الشيخ: منصور بن حمد المالك حسب ترتيبه.
وقد أجمل هذه الخصال بعناوين تحدث عن 16 منها من ص 35-58 تبين ما جبلت عليها نفسه من سجايا نبيلة هي سمات حملة العلم، وما يجب أن يكون عليها العلماء، الذين رفع الله قدرهم بالعلم، فزانوه وصانوه.
أما الفصل الثالث: فأفرده لنماذج من بحوث الشيخ - رحمه الله - ولم يورد المؤلف سوى بحث واحدا هو الغيلة، الذي أخذ إذناً كتابياً منه يرحمه الله بتاريخ 1-1-1419هـ (ص 166). وقد أورد معه قرار هيئة كبار العلماء في الغيلة رقم 38 تاريخ 11-8-1395هـ الذي وافق عليه جميع الأعضاء ما عدا الشيخ صالح بن غصون.
والفصل الرابع: (ص187-247)، فهو عن نماذج من أحاديثه، وهي 15 حديثاً، كأنها أحاديث مما يرسل للصحف حسب تنوعها ومناسباتها، لكني لم أر المؤلف أحالها إلى مصادر إن كانت منشورة.
والفصل الخامس: (ص251 -290): وقد خصصه المؤلف لنماذج من فتاواه، وقد أورد فيه 46 سؤالاً مع الأجوبة، ومن هذا يتضح لدى القارئ منهجه في الفتوى، وبساطته في الإجابة.
ولما كان المؤلف قد حكم على الشيخ في ص34 تحت عنوان مؤلفاته بأنه: لم يكن له رحمه الله - اتجاه في التأليف - وأرجع ذلك إلى - انشغاله بالقضاء ثم التعليم.
فإني أرى لو جمعت كلماته مع بحثه وفتاواه، من أشرطة نور على الدرب لدى وزارة الإعلام ثم بوبت لظهر إنتاج جيد يفيد طالب العلم، ويتلاءم مع مكانة الشيخ صالح ومركزه الذي تبوأه، ولعل المؤلف بالتعاون مع أولاده يسعون في هذا، لما وراءه من مصلحة ولإحياء مكانة العالم بعلم ينتفع به، ويسري أجره له ممتداً بعد وفاته.
والفصل السادس: (ص293-381) في رثاء الشيخ صالح: نثراً وشعراً، بدأ ذلك بالرثاء النثري، أورد فيه 27 كلمة من محبيه وعارفي مكانته، فذكروه بأحسن ما عرفوا عنه، من باب اذكروا محاسن موتاكم.
وفي الفصل السابع: (ص383-418) في الرثاء الشعري، بعضه بالعربية الفصحى، وبعضه بالشعر العامي، أورد المؤلف 27 مقطوعة، استأثرت أخته منيرة العلي الغصون منها بالعامية 13 مقطوعة، ولا تلام لأنها تعبر عن لوعة قلبها، ومن حشاشة ضميرها.. كما قيل: لا يعرف الشوق إلا من يكابده.
بدأه المرض من عام 1409هـ واستمر حتى توفي يوم 17-12-1419هـ رحمه الله، وأثنى على فتواه المتسمة بالمعقولية والتيسير كل من المشايخ صالح اللحيدان، عبدالله بن محمد آل الشيخ وغيرهما فرحمه الله وأسكنه الجنة.
الهروب من القضاء
ذكر ابن حبان في كتابه أخبار القضاة، قال: دخل عبدالرحمن المخزومي على محمد بن سليمان، فقال له: إني قد أردت أن أرفعك وأشرفك، فقد وليتك القضاء، قال: إني والله ما أحسنه، وما أصلح له: فقال محمد: هذا كلام قد تعلمتوه، ولا بد أن تقولوه، انهض فإني غير معفيك. فقال: إذن والله لافتضحن، فقال لحاجبه: محمد بن منصور: انظر منذراً على الباب، فقال: قد انصرف، فقال: لو كان حاضراً لأمرته أن يأخذ بيدك، فيقعدك في معقدك: فقال: إني أسألك بالله إلا أعفيتني فقال: والله لا أعفينك.
فقام وانصرف وأتى أباه، وكان شيخاً سمحاً فيه أخلاق قريش، يجلس على بابه، فإذا حضر وقت غدائه دعا بخوانه، فأكل ويأكل معه الرجل والرجلان في جلساته.
فأتاه ابنه فقال: يا أبه أرانا والله قد افتضحنا، قال: وما ذاك يا بني أعوذ بالله من الفضيحة: قال: قد عزم هذا على توليتي القضاء، ووالله لئن تم لافتضحن، فقال: فهنأك الله ما ولاك، ركبت البغلة الشهباء، وتساندت إلى الأسطوانة، ووضعت إحدى رجيلك على الأخرى، وقلت: قال أبو حنيفة، وقال زفر، طلباً لهذا الأمر، وقد بلغته، فهنأك الله، قال: يا أبه أنا أعلم بنفسي، والله لئن وليت لافتضحن.
فقال: يا بني أعوذ بالله من الفضيحة.. والله ما قلت لك ما قلت إلا مازحاً، فأما إذا كان هذا منك الجد، فأبلغ جهدي إن شاء الله.
قال صقر: فوالله إني لعند محمد بن منصور، وهو يلقى الباب بوجهه إذا قال: هذا المخزومي، فدخل عليه فقال: استأذن لي على الأمير، فقال: إن الأمير يريد الدخول، فقال: والله إن مؤنتي عليه لخفيفة، فتذمم منه، وقام فاستأذن له، فأذن له، فقال: أصلح الأمير، إن لنا ابناً أنت وليته القضاء، وإني لأعلم أنك لم ترد إلا خيراً، وقد حلف لي أنه لا يضبط ما وليته، ولئن تممت على رأيك، فيه ليفتضحن، فإن رأيت ألا تهتك أستارنا فافعل.
فقال: والله ما أردت إلا تشريفكم ورفعكم، فإذا كان هذا رأيك، ورأى ابنك فقد أعفيته، قال: فكر عليه فالتزمه فقبله، ثم أقام شيئاً يسيراً ورجع ليخبر ابنه (2: 140-141).


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved