ألا تعتقدون أننا نعاني من علاقة مرعبة مع الأماكن العامة؟ علاقة قاسية يتخللها الجور والإهمال والرغبة في التدمير! ما الإطار الأخلاقي الذي يؤطر علاقتنا مع الآخرين في الأماكن العامة؟ لقد غادرنا ثقافة القرية الودودة منذ فترة قصيرة، وولجنا دهاليز المدينة الواسعة، حيث قيادة السيارات ضرب من الجنون أو هو مقارب له الاقتحام، ومخالفة الأنظمة، وفتح النافذة وقذف مجموعة من الشتائم، لا بد أن يصاحب الشتائم الجذور العرقية والعنصرية جميعها إذا كان السائق أجنبياً.
الانتظار في صفوف سواء أمام نافذة بنك أو نافذة صراف، والتطفل على خصوصية الآخرين، أحياناً أستعمل الصراف وأنا أسمع أنفاس المرأة خلفي في أذني، دون مراعاة للخصوصية، ومساحة من المكان بينها وبيني، هل تعتقدون أن هناك إحساساً عارماً بالظلم يجعل الجميع يرفض الأنظمة ويسعى إلى اختطاف حقه بطريقة وحشية تقترب من سباع الغابة؟ أين الخلل هنا؟ هل هو في الأنظمة التي يشعر الأفراد بأنها لا تخدمهم ولم يشاركوا في صياغتها فسعوا إلى تجاوزها أم هي في الثقافة السائدة في المجتمع تجاه الأماكن العامة؟ فهل الطلبة في المدارس تعودوا أن ينتظموا وهم أمام (المقصف)؟ هل انتظموا وهم يصعدون الحافلة؟ هل هناك توجه عام يلقنهم أن حريتي تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، وأننا جميعنا يجب أن نتعايش تحت سقف الحد الأدنى من المحبة والمودة، أم أن الجماعة كانوا مشغولين بتعليم الأجيال الولاء والبراء، وطريقة اللبس التي تجعلني مختلفاً عن الكفار؟
هل يحترم الفتى أي سيدة في الأماكن العامة؛ فإن كانت سيدة مسنة ساعدها وأفسح لها الطريق، وإن كانت غير ذلك (لا بدّ أن تكون أماً أو أختاً) فلها حق في الطريق مثله تماماً؟ هل تعوّد الصبي أن يفتح الباب للذي خلفه، ويبتسم في وجه المارة؛ لأنها صدقة - كما جاء في هدي نبينا عليه الصلاة والسلام؟
قرأت قبل فترة في إحدى الصحف أن سيدة اعتدت على أخرى بالضرب في مكان عام، ما الأمر الذي يجعلنا نتقهقر بهذه الصورة لننحدر لثقافة الغابة، حيث الضواري وذوات المخلب من الوحوش والسباع؟ هناك خلل حقيقي يسيطر على علاقتنا مع الأماكن العامة.
|