انتشرت ظاهرة التسول بشكل مزعج لحد الإيذاء بكل انواعه وفي الشوارع والأسواق. واصبحت هذه الظاهرة ذات أشكال متعددة، فشكل المتسول يتحدد بالموقع الذي يرابط فيه، ففي الشوارع بين السيارات وعند الاشارات، المتسولون أطفال ونساء من ذوي الهيئة الرثة، وفي المساجد يستعين المستولون بأوراق وتقارير وأغلب الأحيان بكشف أجسادهم لاظهار اعاقة أو مرض أو حمل طفل. أما متسولو الأسواق من الرجال والنساء فيتعمدون المظاهر الاعتيادية حتى لا يلفتون النظر لأنفسهم، ويختارون أهدافهم بعناية وفي مواقف محددة.. يتتبعون في البداية منظره ونوع سيارته ثم يختارون مخاطبته في اللحظة التي يفتح فيها محفظة نقوده ليدفع قيمة ما اشترى ويُحرج أمام البائع او يتصيدونه أمام الصراف الآلي في اللحظة التي يهم فيها بوضع النقود في محفظته. وأكثر هذا النوع من المتسولين من النساء اللاتي يستدررن العطف بالايمان المغلظة، إذ لم يعد امامهن إلا اليمين بالله في عصر تنوع فيه المتسولون وتكاثروا وتعددت طبقاتهم.
وهؤلاء جميعاً يعترفون انهم متسولون لانهم يطلبون باسم الحاجة، وهم يختلفون عند الطبقة الجديدة، وإذا جاز التعبير نطلق عليها مسمى الطبقة الراقية من المتسولين، منهم من الرجال يلبسون الثباب النظيفة، والمظهر الانيق أو الوقور، يجيدون اصطناع المواقف الطارئة، يتقدم اليك الواحد منهم بكل ثقة الى باب سيارتك أو يوقفك بجرأة إن كان بسيارته ويشرع لك ظرفاً يستثير شهامتك، فهو منقطع أو سرقت محفظة نقوده أو يحتاج لقيمة تعبئة سيارته بالوقود لاستئناف السفر. وكثير من هؤلاء من الشباب أو من متوسطي العمر.
أما القسم الثاني من هؤلاء المتسولين المحترمين فهم المتسولات الفاتنات المحترمات، ويأتي في مقدمتهن اللاتي يتسولن بسيارة ليموزين، يتخيرن الفريسة بذكاء.. توقفك ثم تطلب التحدث معك، وقد تستغل الاحترام الذي تظفر به المرأة في هذا المجتمع المسلم المحافظ فتتجرأ وتنادي عليك لتخرج من سيارتك لتجدها بكامل اسلحتها -التي حرم الله اظهارها- تشهرها أمام عينيك وتبدأ تشرح لك بكل اللغات انها غير متسولة ولكنها -وقد تكون معها امرأة اخرى- مقطوعة وتحتاج إلى 400 او 300 ريال لدفع أجرة الليموزين أو قيمة تذكرة للعودة من حيث أتت ونطلب رقم حسابك لايداع المبلغ فيه!
وشريحة أخرى من المتسولات الفاتنات -اعتبرها الأخطر- تلك التي تخصصت في الآونة الأخيرة بالتجرؤ على دخول المؤسسات التجارية التي تقع في فلل داخل الأحياء السكنية، فيجد الموظف أو المدير أن الباب قد انفتح ودخلت عليه امرأة فاتنة كل شيء في مظهرها يبرئها من التسول ويستدعي الشيطان للمثول في هذا الموقف!
وتخصصت شريحة ثالثة من المتسولات الفاتنات في اقتحام البيوت صباحا -في غياب رجالها- بحجج مختلفة، لا تظهر التسول وانما تطرق جرس الباب وتدخل وكأنها ضيفة زائرة وتفرض على ربة المنزل استقبالها في الصالون وتوهم وكأنها على معرفة بالأسرة، ولا تتعرف صاحبة المنزل على الهدف الا بعد أن تبدأ الزائرة المجهولة في فتح ملفاتها وقص حكايتها. وبعض هذا النوع من المتسولات المحترمات يتعرفن على أسماء ربات البيوت من بعض الجارات اللاتي يبحن بأسماء جاراتهن عن حسن نية، فتأتي المتسولة المحترمة فتطلب الجارة بالاسم فيأذن لها بفتح الباب والدخول باعتبارها معرفة.
هذه ظواهر مؤسفة يغلب عليها أساليب النصب والاحتيال تجعل المسلم الصادق الراغب في انفاق الصدقة يحتار في وضعها ويشك في كل من يطلبها. اذ يصعب الآن التمييز بين المتسول المحتال والمتسول المحتاج، فما نقرؤه من حين لآخر في الصحف من غرائب القصص عن جماعات التسول المنظمة تؤكد أن مكافحة التسول بحاجة إلى جهود أكبر تتضافر فيها جهود الجهات الأمنية والشؤون الاجتماعية، خاصة وان كثيرا من هؤلاء المتسولين هم من الذين يتسربون من خارج الحدود لممارسة هذه المهنة المهينة. وليعلم المتسول سواء كان مواطناً او مقيماً أو متسللاً أنه خير له أن يحمل فأسه حيثما يكون ويحتطب على أن يسأل الناس، كما جاء في حديث رسولنا -صلى الله عليه وسلم- لان ذلك لا يليق بكرامة المسلم من جهة، وفيه اساءة بالغة للواجهة الحضارية لهذا الوطن الكريم الذي وصل بره إلى كل مكان، ويتسع خيره للجميع، ولكن بطرق شرعية ونظامية ولائقة.
|