Wednesday 15th December,200411766العددالاربعاء 3 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "زمان الجزيرة"

17 ربيع الثاني 1392هـ الموافق 30 مايو 1972م العدد 393 17 ربيع الثاني 1392هـ الموافق 30 مايو 1972م العدد 393
عن وفاة الممثل المصري إسماعيل ياسين
سكت القلب الذي أضحك العالم العربي ربع قرن من الزمان

الناس في حياتهم يستخفون ظل من ينفس عنهم عناء الحياة..
والناس يضعون هذا الصنف من البشر في مخيلاتهم في كل لحظة من حياتهم.. وخاصة لحظات الأسى والكمد، فإذا فقدوا هذا الصنف أحسوا بفراغ كبير يقل من يملؤه لأن عملية التسلية لم تعد تهريجاً يقال أو يسمع.. بقدر ما هو فن قائم بذاته.
والضحك جانب من جوانب الفنون الأخرى له سماته وشروطه.. وقد يكون فن الاضحاك والتسلية صفة طبيعية في الشخص يعجز الآخرون ممن لم يوهبوا هذه الصفة من القيام به. وصديق المتعبين.. والباحثين عن افترار السن اسماعيل ياسين.. مات.. مات بالأمس القريب.. بعد عودته من الاسكندرية وبعد أن شيّع جثمان صديقه الفنان فطين عبدالوهاب الذي مات قبله بأسبوع فقط.. يا الله .. حتى الموت يهزأ بالمضحكين ويضحك..وعندما يضحك الموت يبكي الكثيرون.. مات اسماعيل ياسين.. فماتت النكتة المحبوكة.. والكوميدا تشنجت.. وذبلت.. هكذا اتصور..
لقد أضحك الناس.. وكان يبكي في داخله.. لأن الحياة تنتقم معه ببطء.. لماذا؟.. لانه يضحك الناس.. لقد وقف على خشبة المسرح الضاحك قرابة خمسة عشر عاما ليليا.. وكان مسرحه عيادة نفسية أزالت الكثير من آلام الأيام عن الحضور.
ان الناس تبكي من يسعدها ويسلّيها.. ولكنها - أي الناس - لا تعير من يشقيها ويسبب لها المتاعب أي اهتمام عندما يموت.
هل رأيتم رجلاً حاقداً حسوداً بكاه الناس..؟
وهل رأيتم مثل اسماعيل ياسين.. أهمله الناس بعد موته؟
لقد أهملوه حياً.. وعاش الرجل في بيته عزيزاً كريماً يتبلغ بما لديه من مال ضئيل جداً.. حتى التقمه الموت بعد كفاح طويل.. ابتدأ في العشرين من عمره وتركه وقد تجاوز الستين.. ياللحزن الأليم عندما نشعر أن لبنة مضيئة في مجتمعنا الكبير تتصدع..
أننا نحس بالوحشة.. لأننا لا زلنا في صراع مع آلام الحياة.. ولعل أعظم ألم نقاسيه.. هو فقدان من كان يدفع الآلام عنا.
مات اسماعيل.. بعد اشتراكه في أكثر من أربعمائة فيلم.. تصوروا.. اربعمائة.. لا تخلو من تسلية وانفرد ببطولة مائتين منها.. ومثل احدى وخمسين مسرحية، ثم مات. وبقي هو مسرحية بكاملها لم تمثل.
لقد كرّمته الدولة بعد عجزه وتراكم صروف الحياة المؤلمة عليه، كرّمته بمنحه راتبا استثنائيا يعيش به.
استمعت اليه في اذاعة الشرق في برنامج (ألو).. وكان يشكو حاله بشكل مر..
ومع ذلك فإنه لا تفارقه النكتة الخفيفة التي تفترّ لها الشفاه والقلوب.. وقبل أن تختم المذيعة المقابلة معه.. قال لها:
طيب أنت بتكلميني منين؟؟
.. ألله.. انت بتكلميني منين؟!
قالت المذيعة.. أنا بكلمك.. بكلمك.. وقبل أن تكمل قال اسماعيل:
زي ما أنا بكلمك من بقّي..!
وضحكة خفيفة..
ثم أكمل اسماعيل.. من برنامج ألو.. يا مرحبا..
تصوروا.. لقد كان اسماعيل يضحك وهو في أشد ساعات العسرة.. والضيق بنكران المجتمع لجهوده.
لأن الضحك.. وفن الضحك لدى اسماعيل.. أصالة قبل أن يكون تهريجاً.. رحمه الله.. وعوّض المجتمع العربي..

بقلم - أبو محمد


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved