Wednesday 15th December,200411766العددالاربعاء 3 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "محليــات"

يارا يارا
القول قولك يا يبه
عبدالله بن بخيت

هناك أخبار تبدو في شكلها رائعة وجميلة ويطرب لها منتجوها. ولأن عقولنا لم تدرب كثيراً على التحليل نقرأها كثيرا بالصورة التي يريد منها كاتبها. وأعتقد أن هذا يعود إلى أن المدرسة السعودية تغيب عنها المواد التي تعلم الناس أسس التفكير مثل الفلسفة والمنطق. والصحف كما نعرف كانت إلى وقت قريب تسير وفقاً للقاعدة الصحفية الشهيرة: (القول قولك يا يبه والشور شورك يا يبه).
دعوني أعطيكم بعض الأمثلة على هذه الأخبار. نقلت الصحف أخبارا شبيهة بالتالي: بسبب كثرة الشكاوى والتذمر من المواطنين قام الوزير الفلاني بزيارة مفاجئة لمركز العليا وبعد أن تفقد سير العمل اتخذ عدة قرارات أهمها نقل مدير المركز من الرياض نقلاً تأديباً إلى الخرير، أو صامطة، أو القريات، واتصل عدد من المواطنين يعبرون عن سعادتهم بهذا الإجراء العظيم الذي قام به معاليه.. هذا الخبر نموذج لأخبار كثيرة مماثلة في شكله الخارجي يبدو رائعا ولكن عندما نقرأه بتأمل أكثر سنرى أنه يتضمن خللاً استراتيجياً في صميمه فمعاليه خلص أهل العليا من المدير العِلَّة لكنه حمَّل العلَّة على المناطق البعيدة فخبرُ كهذا هو إساءة لمعاليه عندما ظن أنه يخدمه.
مثال ثان؟ داهمت إحدى الجهات المقاربة للمجال الأمني وكراً لتصنيع الخمر وألقت القبض على عدد من العمالة الوافدة التي تدير أكبر مصنع في مدينة (كذا).. إلى هنا والخبر جيد، ثم يصل الخبر إلى حتفه عندما يقول: إن هذا المصنع استمر يمارس صناعة الخمر أكثر من اثنتي عشرة سنة مع الهيلمان والكلمات الرنانة التي تحيط بالخبر لا نسأل السؤال الأساسي: أين كان عناصر هذا الجهاز كل هذه الاثنتي عشرة سنة. هذا الخبر نشر ليلمع الجهاز ولكنه أمام أبسط محاكمة عقلية يدل على تواضع هذا الجهاز, وقلة حيلته بعد اثنتي عشرة سنة تأتي لتلقي القبض على هذه العصابة بعد أن دمرت صحة الناس وطارت الطيور بأرزاقها. الخبر الأول إدانة لمعالي الوزير والخبر الثاني إدانة للجهاز.
من الأخبار السيئة المنتشرة في الصحف أخبار الرواتب وخاصة أخبار رواتب الطلاب. فنقرأ مثلا من باب مديح المسؤول الخبر التالي: وجه مدير الجامعة الفلانية أو مدير المعهد الفلاني الجهات المختصة سرعة صرف رواتب الطلاب. وكل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر نسمع نفس الخبر حتى أصبح صرف الرواتب خبرا تتناقله الصحف. الذي نعرفه أن تأخر الرواتب هو الخبر وليس العكس لأن الراتب إجراء روتيني شهري يعيش عليه الناس، وتأخره يؤدي إلى مشاكل كبيرة.
تترعرع هذه الأخبار عند غياب القدرة على التحليل المنطقي. فالعقل كالعضلة لا يمكن أن تؤدي واجبها دون تدريب مستمر، وأظن أن هناك مشكلة في التعليم وفي العلاقات التراتبية بين الناس في المجال العلمي. فالتعليم التلقيني كما يرى بعض الخبراء يورث هذا النوع من العقليات التي تقرأ سطح النص دون عمقه.
أرى أن العلاقة التراتبية بين الأستاذ وبين مريده أخطر من التعليم التلقيني. والعلاقة التراتبية هي مصدر التعلم الذي يتلقاه الناس خارج المقاعد الدراسية. هناك علاقة تقديس تنشأ بين المعلم وبين المريد تجعل التلقي نوعاً من العمل القدسي حيث تحرم العمل العقلي وبالتالي يتدرب المريد على قبول ما يسمعه بدون محاكمة، فانعكس هذا على الصحف وأقام القاعدة الصحفية التي تقول (الشور شورك يا يبه والرأي رأيك يا يبه).

فاكس 4702164


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved