دائما في أحاديث الأمير نايف بن عبدالعزيز وتصريحاته الإعلامية يؤكد ويصر ويكرر: إن حربنا مع الإرهاب حرب فكرية.. وإن حربنا مع الإرهاب ليست مسؤولية الجهات الأمنية فقط بل هي مسؤولية المجتمع بفئاته وطبقاته وتخصصاته وطوائفه كافة.. وإن جل هذه المسؤولية تقع في الجانب الوقائي.. الذي يقوم على التحصين. ومع ايماننا العميق بصحة هذا الكلام وأهميته.. إلا أننا نجد أن التفاعل معه والتعامل وفق مضمونه ما زال قاصراً.. لأسباب بعضها جهل.. وبعضها ضعف.. وبعضها لامبالاة.. وحسب تصريحات الشيخ صالح الحصين في لقاء الحوار الوطني الرابع من أن (18%) فقط من الشعب السعودي تجاوز سن الشباب.. بذلك يكون مجتمعنا بيئة مناسبة للمتربصين به وبالوطن كله.. فأصحاب الأفكار الهدامة.. ومروجو المخدرات.. ومسوقو الشهوات لن يجدوا أفضل أو أخصب من مجتمع شاب.. حينها يجب الالتفات والإنصات والتفاعل مع ما يقوله سمو الأمير نايف ويؤكد عليه بجدية أكبر.
وإذا علمنا أن الوقاية هي بالتحصين.. وأن التحصين المطلوب في حالنا الراهن ثقافي بالدرجة الأولى.. فإن أعيننا تتجه مباشرة إلى المؤسسات الثقافية.. والنظر فيما إذا كانت تقوم بدورها.. ومدى مساهمتها في تحصين أفراد المجتمع فكريا فالمؤسسات الثقافية هي أحد أهم أعمدة التحصين الفكري والبناء المعرفي لأي مجتمع.. ناهيك عن مجتمع كمجتمعنا لا يزال في شبابه.. في مرحلة زمنية متقلبة ثائرة ساخطة نتيجة ما يحيط بها من أحداث كارثية مأساوية.
المجتمع السعودي يعيش الآن حراكاً كبيراً ونشاطاً دؤوباً ومستمراً.. وهو مجتمع كما قلنا بأكثرية شابة قادمة متطلعة طموحة.. يجري إعدادها للمستقبل بنية صادقة خالصة هدفها صالح الوطن والمواطن.. هذه النية الصادقة والرغبة الأكيدة في بناء مجتمع سليم منتج طموح.. لابد أن يصاحبها عمل مساند من كافة مكونات هذا المجتمع أفراداً ومؤسسات.
ونظراً لاهتمامي بالنشر والمكتبات بحكم العمل والمهنة والعشق.. فقد لفت نظري ذلك السكون الذي تعيشه مكتبة الملك فهد الوطنية إحدى المؤسسات الثقافية العملاقة في بلادنا.. فبالرغم من كل الاهتمام الشعبي وهي التي أسست عام 1408هـ بتمويل من مجتمع مدينة الرياض احتفاء بمليكنا العظيم.. وبالرغم من كل الاهتمام الرسمي الذي يرعاه بصفة شخصية أمير منطقة الرياض سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز.. وبالرغم من حصر وحكر مهمة توثيق كل ما ينشر في المملكة العربية السعودية وتسجيله على المكتبة وحدها.. بكل ما يعنيه ذلك من أهمية مركزية تستدعي حضوراً يساوي ذلك التكريم.
أقول بالرغم من كل ما يحيط بمكتبة الملك فهد الوطنية من اهتمام ورعاية.. إلا أنها في سكون عجيب!.. رغم الحاجة الماسة لدورها الفاعل في الأزمة الراهنة والأزمات عموماً.
وبصفتي واحداً من أفراد مجتمع الرياض.. الذين لم ينالوا شرف المشاركة في التبرع لإقامة هذا الصرح الثقافي.. لكنني من هؤلاء الذين يملكون التمني بأن تفعل المكتبة من وجودها وحضورها وتأثيرها.. أو أن يلتفت لها أولو الأمر ويهيئوا لها الوسائل القادرة على التحريك والتفعيل.. وإذا كانت الأسئلة هي آلة التفكير وهي أيضا أضعف الإيمان؛ فدعوني أتساءل عن السبب.. ثم أتبعه بمحاولة الإجابة عليه: لماذا تحولت مكتبة الملك فهد الوطنية إلى مستودع كتب وسجل إصدارات؟.. هل السبب.. هو ضعف الميزانية وما تعنيه من ضعف الإمكانات البشرية والمالية والتجهيزات مما أعاق نشاطهم في المكتبة؟.. أم هي بيروقراطية الالتزام بمهام وواجبات تقصر نشاط المكتبة على تسجيل (الردمك) ولا يمكنهم تجاوزها؟..
إن المكتبات العامة هي أهم مراكز المعرفة في كل المجتمعات العالمية.. ومكتبة الملك فهد هي أولى المكتبات الوطنية وأكبرها.. ومع هذا لا يمكن مقارنتها بفعل أو نشاط مكتبة الملك عبدالعزيز مثلا أو بالدارة أو وكالة الآثار؟.. فكيف تكون مكتبة الملك فهد الأولى والأكبر بين المؤسسات الثقافية في المملكة ومع هذا تكون آخرها في الإنتاج والنشاط؟.. لا أظن أن المؤسسات النشطة الآنفة الذكر تحصل على ميزانيات أكبر من ميزانية هذه المكتبة.. ولا أظن أن مهام المكتبة مقصورة على القيام بدور الأرشيف.. ما هي الأسباب إذن ومن هو المتسبب؟.
فاكس: 4792350 |