تعايش آباؤنا مع الأمريكيين والإنجليز في أرامكو وشركات أخرى قبل نحو خمسين أو أربعين عاماً..
ولم يكن لهم هذا الميل العظيم لكراهية العاملين لدينا.. المعاهدين الذين نرتبط معهم بمواثيق أمان.. كانوا يعيشون بفطرتهم التي تقودهم للتعايش مع كل البشر..
ولمس أهلونا كيف كانت حياة هؤلاء جادة في العمل.. وما عدا هذا العمل فكانوا يسيرون وفق الآية الكريمة:{لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}.
** حين كبرنا كان والدي يسايرنا بالحديث عن زوجة الأمريكي التي تخرج في الصباح مع صديقه وتتمشى في الحقول.. فيستقيظ الزوج ويغضب دون أن يعلن ذلك أمام الملأ.. لكن أبي وزملاؤه كانوا يتبادلون التعليقات (النجدية) على موقفه وكيف كان يقول ضاحكاً: (إنني أفهم ما تقوله عيونكم أيها الخبثاء!)
** وكيف كان يمنحهم الإجازات تقديرا لظروفهم العائلية وسماحته معهم وجديته في ذات الوقت.. نشأ جيلي بأكمله يتعايش مع الآخر وفق المصالح الدنيوية التي لا تتقاطع مع ثوابت الدين.. هؤلاء هم أهلونا الذين ربونا..
فما الذي حدث حتى يجد بضعة من الشباب في تناوب القتل في مناطق عديدة تحت حجة محاربة الكافرين أو الرد على الإرهاب الأمريكي أو الإسرائيلي.. كيف تداخل هذا بذاك؟
وكيف امتزج السياسي بالديني بالاجتماعي؟
** لنكن صادقين مع أنفسنا فالثلاث سنوات الماضية علمتنا ما لم تعلمه لنا السنوات التي قبلها مجتمعة.
** ودعونا نسترجع الماضي لا لنحاسب من فيه ونتقصى أسماء الأشخاص والجماعات..
إننا نريد عودة تستجلي الجذور المنشئة لهذا التفكير.. وكيف تغير مسار بعضنا عن مسار آبائنا الفطري والمتسامح والمتعايش..
** لقد أصبح كثير منا أكثر إشراقاً في نظرته للحياة.. وللآخرين.. وأكثر في إحسان الظن بالقول والفعل الذي أمامه..
لقد غاب كثير من صراخ الموت والتهديد بالنار الذي يلاحقنا ونريد أن يعلو بدلا من صوت الخير والحياة والنقاء والطهر والفرح والمرح المباح.. لقد غاب كثير من فكر التجسس والتحسس والريبة الذي كدنا نختنق فيه أجمعين!!
** دخل أستاذ ابني وأمره وزملاءه بإخراج ورقة وقلم وقال:
اختر الإجابة الصحيحة:
- ما حكم من أحب الكفار من اليهود والنصارى؟
( ) الجنة.
( ) النار.
ماذا يريد الأستاذ من هذا السؤال؟
** ما هو الحب المقصود؟
وما هي الحالات التي يكون عليها هؤلاء؟
وهل هو الحب المجرد أم الحب المقرون بالعمل وإبداء الود أو عكسه؟
هل كانت رسالة الأستاذ هي أن يكره التلاميذ هؤلاء في قلوبهم أم يحولوا هذه الكراهية لفعل؟ وهذا الفعل بأية حالة سيكون؟ هل هو في حالة العهد معهم أم في حالة الحرب أم في حالة السلم؟ هل هو في الخارج أم في الداخل؟
الأسئلة المعلقة في الهواء هكذا بدون قاعدة أو سقف هي أسئلة مثيرة للتساؤلات
** التهييج الإعلامي لقضية الموالاة في المنتديات وبعض الصحف أحدثت عند بعض المعلمين الشباب ردة فعل عكسية فقد شحنتهم ضد موضوع المعايشة والتسامح والمعاهدة وأوجدت بعض المحاولات الحدية القاطعة التي لا تتحدث في التفاصيل أو تعدد الحالات وتنوعها بل هي قاطعة إما أسود وإما أبيض لا تقبل الحالات التي أوجدتها سياسة المصالح التي تعاهد على إثرها الرسول صلى الله عليه وسلم عبر صلح الحديبية مع مشركي قريش بل وتعهد عليه الصلاة والسلام بإرجاع من أراد العودة إليهم.
وهذا تنازل من أجل المصلحة العليا للمسلمين وحقنا لدمائهم فأين هذه الإشارات من أفهام هؤلاء وعقولهم وبحثهم؟
** إن دماء الشهداء الذين راحوا في سبيل أمان هذا الوطن المسلم لهي دماء غالية وزكية تضوع روائحها على الوطن كله.
وإن لهم أطفالا وزوجات وآباء وأمهات نسأل الله لهم الصبر والسلوان.. وليس لهم العوض إلا من الله سبحانه وتعالى فهو القادر على تعويضهم خيراً.. ثم هذا الوطن الذي استشهد هؤلاء من أجل أمانة وأمن من فيه لهو كريم ومعطاء ولن يبخل على أسر هؤلاء الشهداء بكل ما يسهل لهم الحياة الكريمة والمميزة التي تذكرهم دائما بأن الوطن لا ينسى أبناءه المخلصين الذين ذهبوا من أجل أن يبقى آمنا.
** اللهم احفظ لنا عقولنا من الميل واحفظ وطننا من العبث وارحم شهداءنا وصبر أسرهم يارب العالمين..
11671 الرياض 84338 |