يكاد القتال ينشب بين المتحمسين لإجراء الانتخابات في يومها وساعتها وبين الأكثر حماسة لتأجيلها، والقضية لم تعد محصورة في تقاطع الرؤى وتباين المواقف بل تحوّلت إلى قضية عناد وتحدٍ وفعلٍ ورد فعل وتصريحٍ وتصريحٍ مضادٍ، وكلا الفريقين لا يمتلكان حججاً ومسوغات مقنعة يفسرون فيها إصرارهم على إجراء الانتخابات في وقتها أو تأجيلها لأسابيع أو أشهر، فلا هؤلاء يعرفون لماذا يصرون على الالتزام في الموعد المحدد ولا أولئك يدرون لماذا هم متحمسون حد التقاتل على التأجيل؟!
فات هؤلاء وأولئك ان الانتخابات هي عملية إدارية تترجم فعلاً سياسياً وليست هي فعلاً سياسياً بذاتها، وبالتالي فإن تأجيل الانتخابات حتى تستكمل الإجراءات والآليات الإدارية التي تكفل لها النجاح يعزز الانتخابات ولا يضعفها، لكنني أعتقد أن المتحمسين لها والمتهالكين عليها والمعولين على نتائجها يعتقدون أن الحكومة أو قوات الاحتلال ستتراجع عن إجراء الانتخابات إذا ما تم تأجيلها وكأنهم يريدون أن يضمنوا العصفور في اليد ولا يهمهم بعد ذلك عدد العصافير التي تحط على الشجرة !!
القضية باختصار قضية تحدٍ، وان هذا التحدي يزيد النار العراقية اشتعالاً ويحول الانتخابات إلى مأزق وفتنة وأزمة ومعضلة سواء تمت في موعدها أو تأجّلت، فإن تمت فإن المناهضين لإجرائها سيزدادون تمسكاً بإفشالها وإن لم تتم فإن المندفعين نحو إجرائها سيصابون بنكسة وإحباط وخيبة تترتب عليها ردود أفعال لا أحد يتمكن من تقدير عواقبها!!
إن الانتخابات ستجري وان أمريكا العظمى وحليفتها بريطانيا العظمى وحليفتهما الحكومة العراقية المؤقتة كلهم جادون في قضية إجراء الانتخابات بل إنهم يتعاملون مع الانتخابات وكأنها الركن الركين في المشروع الأمريكي في العراق فلماذا يخاف المتهافتون على تلك الانتخابات من احتمالات تأجيلها لشهر أو بضعة شهور!!
وأنتم أيها الرافضون لإجرائها عليكم أن تعلموا ان النتائج واحدة سواء أجريت الانتخابات الآن أو بعد سنتين أو كانت قد أجريت قبل سنة من الآن فلماذا أنتم مصرون على التأجيل؟!
إن الانتخابات العراقية هي الأغرب من نوعها في تاريخ التجارب الانتخابية التي شهدتها بلدان الأرض قاطبة، فمقوضات الانتخابات العراقية أكثر من مقوماتها، والمعارضون لإجرائها أكثر تأثيراً في الشارع العراقي من المتحمسين لاجرائها سواء بخطابهم السياسي أو بفعلهم العسكري أو بقدراتهم على إفشال أي مشروع سياسي يسعى الاحتلال وحكومته إلى إنجاحه.
أما (الأغلبية) التي تنادي بإجراء الانتخابات فإنها منساقة وراء حلم عصي التحقيق على أرض الواقع مؤداه أن صناديق الاقتراع التي تحميها المجنزرات الأمريكية، ومراكز الاقتراع التي تسيجها الأسلاك الشائكة، وتطوقها الميليشيات العميلة التي تأتمر وتنتهي بأوامر قوات الاحتلال، هي التي ستقرر من الذي يحكم العراق، لكن قادة الأغلبية والناطقين باسمها وسارقي دورها وصوتها نسوا ان الديمقراطية لا تعيش في مناخات القمع والتكميم الاحتلال، والشعب لا يقول كلمته في ظل أزيز الطائرات وزمجرة الدبابات، والحرية لا تأتي معلّبة ومسلفنة من واشنطن أو ديترويت أو بنسلفانيا، وإن حاكماً بمواصفات حامد كرزاي سوف لن ينجح في الحفاظ على كرسيه إذا ما حصل على ذلك الكرسي بقوة المحتل، فبغداد ليست كابل والعراق غير أفغانستان والفلوجة ليست قندهار والأيام حبلى بما تلد والعراقيون وحدهم هم الذين يرسمون ويستقرأون مواصفات المولود القادم وملامحه!
كاتب وصحفي عراقي |