Wednesday 15th December,200411766العددالاربعاء 3 ,ذو القعدة 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

انت في "دوليات"

على هامش المشكلة الطائفية في العراق على هامش المشكلة الطائفية في العراق
د. خالد بن حمود السعدون

أتمنى من صميم القلب لو أن الحال غير الحال، فلا توجد في مجتمعي مشكلة من هذا القبيل تدعوني وغيري للخوض فيها، فذلك الخوض يؤذي النفس بما يفرضه عليها من انحدار من ذرا طموحات وطنية وإنسانية شامخة إلى قاع انتماءات فئوية ضيقة، ولكن لا بد مما ليس منه بد، فلا مناص من الإقرار بوجود المشكلة، ولا مهرب من الحديث عنها، فالاعتراف بوجود المرض يمثل الخطوة الأولى في سبيل علاجه، ويحسن التذكير بداية بأن القضية الطائفية منتج تاريخي أفرزته مسيرة الأحداث المتعاقبة عبر القرون، فهو ينشط طوراً ويخبو أطواراً حسب الظروف الموضوعية المحيطة.
وقد عملت تلك الظروف منذ مطلع القرن الميلادي المنصرم على حصر تلك القضية وتهميشها تدريجياً.
فما أن هلَّ العقد السابع منه حتى كاد الحديث عن تلك القضية يصبح نسياً منسياً لا تتداوله من العراقيين إلا قلة متزمة معزولة، في حين انشغلت الغالبية بالهم السياسي- الاجتماعي.
ولكن ذلك التطور الواعد انتكس بشكل حاد بعد سنوات قليلة نتيجة ممارسات خرقاء أقدم عليها النظام المنهار. (سبق لي التحذير من مغبتها في سلسلة مقالات نشرتها باسم مستعار هو خلدون سعد في جريدة الشرق الأوسط الصادرة في لندن: أعداد 3-3-1998 و14-3-1998 و 5-4-1998)، وأدت تلك الممارسات متمازجة مع تطورات عديدة شهدتها الساحة الإقليمية إلى بث الحياة في جسد الطائفية الهامد، وازداد الأمر تعقداً حين اختلطت القضايا السياسية بالمذهبية، فأصبح التعبير عن معارضة مظالم النظام يستدعي الالتفاف حول بيرق المذهب حتى لمن كان قليل الاكتراث بالتزاماته الدينية والمذهبية.
والآن وقد وصل ذلك النظام إلى خاتمته المحتومة، وانهارت المعادلات المختلة التي بني عليها، واستجدت خلال الشهور العشرين الماضية معادلات جديدة غدت مقبولة عند أكثر العراقيين بحكم القناعة أو التسليم بالأمر الواقع، فقد توفرت الفرصة الحقيقية لإرساء قواعد علاقة صحية بين مكونات المجتمع العراقي كافة ترتكز على شراكة عادلة لا حيف فيها ولا غبن، وأشهد عن دراية نابعة من تتبع شخصي أن الأكثرية الغالبة من العراقيين الآن لا تكترث بدعاوى التقسيم الطائفي.
وييسر ذلك دون شك مهمة إقامة تلك القواعد، ولكن تلك الحقيقة البارزة محاصرة بخطط خبيثة تسعى لخنقها وتسعير نيران فتنة طائفية تحرق الأخضر واليابس، ولا تمت تلك الخطط للواقع العراقي بصلة، بل أقحمت في الساحة العراقية إقحاماً على أيدي غرباء أشاعوا بين أبناء الطائفتين أفكاراً متزمة بعيدة كل البعد عن طبيعة الفرد العراقي، ولم يتورع منفذو تلك المخططات الخبيثة عن سفك دماء بريئة زكية في هذا الجانب أو ذاك من أجل الوصول إلى غاياتها الذميمة، فيجدر بكافة العراقيين تتصدرهم قياداتهم الدينية والاجتماعية والسياسية التنبه لهذا الخطر الداهم الذي يشتد يوماً إثر يوم. ويلزم الجميع التكاتف العاجل لعزل بؤر التشنج الطائفي مهما كان لونها، والضرب على أيدي المتهافتين على الزعامة المتاجرين بعقائد الناس ودمائهم ومآسيهم، ويجب على القوة المهيمنة على العراق الآن الانتباه لما يجري تحت أنظارها، لأن السحر سينقلب على الساحر بعد حين حتى وان توهم ذلك الساحر لقصر نظره أن ما يجري يخدم مصالحه الآنية.

سياسي عراقي مستقل


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved