سعادة رئيس تحرير جريدة (الجزيرة) وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تعقيباً على الخبر المنشور في الصفحة الأخيرة بجريدة (الجزيرة) يوم الخميس الموافق 26-10- 1425هـ بشأن تلقِّي الجريدة اتصالات عديدة للسؤال عن جريمة الاستجابة للرجاء والواسطة، أقول مستعيناً بالله تعالى: جاءت الشريعة الإسلامية الخالدة الصالحة لكل زمان ومكان بحفظ مصالح المسلمين، والتحذير من الاعتداء على تلك المصالح العامة واستغلالها لأغراض شخصية؛ حيث حاربت الشريعة الإسلامية الفساد الإداري، واستغلال نفوذ الوظيفة العامة والاستفادة منها بغير حق، وحذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك بقوله: (لعن الله الراشي والمرتشي والرائش الذي يمشي بينهما).
وتبذل بلدنا المباركة جهوداً كبيرة لمنع هذه الجريمة المنكرة التي تنخر كالسوس في كيان الأمة، وبانتشارها تضيع الحقوق، وتنتشر الفوضى، وتضعف الهمم، وتتحطم الآمال، وتسند الأمور إلى غير أهلها، وتتشوه العلاقة بين الدولة والمواطن.
إذ إن الأصل أن الدولة -وفقها الله- تقدِّم خدماتها للمواطنين بغير مقابل، والموظف العام هو الوسيلة لأداء تلك الخدمة. ومع تفشِّي هذا المرض الخطير يقتصر وصول هذه الخدمة للقادر على إرضاء ذلك الموظف الخائن بمقابل معين، بينما يظل المواطن الضعيف غير القادر على ذلك الإرضاء مفتقراً إلى وصول هذه الخدمات إليه.
والمملكة العربية السعودية باتخاذها الشريعة الإسلامية دستوراً لها سنَّت أنظمة حازمة تردع مرضى القلوب من استغلال نفوذهم والمتاجرة بوظائفهم، ومن ذلك نظام الرشوة الصادر بالمرسوم الملكي رقم م-36 وتاريخ 29-12-1412هـ الذي تنص المادة الأولى فيه على أن (كل موظف عام طلب لنفسه أو لغيره، أو قبل، أو أخذ وعداً أوعطية لأداء عمل من أعمال وظيفته ولو كان هذا العمل مشروعاً يعدُّ مرتشياً، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز عشر سنوات، وبغرامة لا تزيد على مليون ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين، ولا يؤثر في قيام الجريمة اتجاه الموظف إلى عدم القيام بالعمل الذي وعد به).
ولا بدَّ لقيام جريمة الرشوة من توافر أركانها الثلاثة التي يضيق المقام بذكر أحوالها. ولقد أحببتُ في هذه العجالة أن أبيِّن أن نظام مكافحة الرشوة حرص على تجريم جميع الأفعال التي تمس نزاهة الوظيفة العامة، وتخلُّ بقاعدة المساواة بين المنتفعين بخدمات الدولة العامة، سواء كانت تلك الأفعال تمثل جريمة الرشوة الأساسية الأصلية أو الجرائم الفرعية الماسَّة بنزاهة الوظيفة العامة؛ كجريمة الاستجابة للرجاء أو التوصية أو الوساطة، وهي الجريمة التي قامت جرية (الجزيرة) مشكورة بنشر خبر يتضمن إنزال العقوبة بمواطنَيْنِ ارتكبا هذه الجريمة.
فأقول: نصَّ نظام الرشوة في المادة الرابعة على أن (كل موظف عام أخلَّ بواجبات وظيفته بأن قام بعمل أو امتنع عن عمل من أعمال تلك الوظيفة، نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة، يعدُّ في حكم المرتشي، ويعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات، وبغرامة لا تزيد على مائة ألف ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين).
ففي هذه الحالة لم توجد الصورة الأساسية لجريمة الرشوة؛ حيث لم يكن هناك أخذ عطية أو فائدة، ولم يقبل الموظف أو يطلب شيئاً من ذلك، بل فعل ذلك الإخلال استجابةً لرجاء أو توصية أو وساطة من الغير، وبدون مقابل أو منفعة نظير ذلك.
ومع ذلك فقد جرَّمه النظام، واعتبر ذلك الفعل في حكم الرشوة، وعاقب على ذلك بعقوبة السجن أو الغرامة، أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ حرصاً على نزاهة الوظيفة العامة، ومنعاً من الإخلال بقاعدة المساواة بين المستفيدين من المرافق العامة.
ولذا فإني أنصح إخواني المسؤولين بتقوى الله عز وجل ومراقبته في السر والعلن، وعدم الاستجابة للوساطات والشفاعات التي يكون بها الإخلال بواجباتهم الوظيفية التي يمليها عليهم النظام، بل يجب عليهم معاملة الناس بالعدل الذي أمرنا به الله عز وجل، وحثَّ عليه ديننا الحنيف الذي حذَّرنا من الظلم حتى مع الأعداء، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (المائدة: 8).
أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لكل خير، وأن يعيذنا من شر أنفسنا والشيطان، وأن يحفظ بلادنا من كل سوء، وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الملازم أول محمد بن عبد العزيز المحمود
الأمن العام - شرطة منطقة القصيم
|