تسمو وتعلو وتحلق في فراديس الكمال تلك الأعمال الجليلة التي تنفذها وترعاها وتحققها عاماً بعد عام حكومة خادم الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمشاعر المقدسة خدمة لضيوف الرحمن.. ضيوف بيت الله الحرام. ففي هذه الأيام المباركة، ووسط أجواء مفعمة بالهدوء والوقار والسكينة والطمأنينة وسيادة الروح في أجواء الأمكنة الطاهرة، وشرف المناسبة، يؤدي ضيوف الرحمن شعيرة العمرة بكل راحة واطمئنان، وذلك بفضل ما وفرته حكومتنا الرشيدة من خدمات في المسجد الحرام وأكنافه في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلوات وأتم التسليم.
وفي موسم رمضان الفضيل تتقاطر -كالعادة- أفواج المؤمنين من كافة أنحاء الدنيا زيارة لأشرف أرض أشرق عليها أنوار الهداية الإلهية، وولد فيها خير البرية، وانطلقت منها الرسالة المحمدية التي أنارت للناس طرق الهداية، وسبيل الحق.
هذه مكة المكرمة التي تهفو إليها الأرواح، وتشرئب إليها الأعناق، وتحنّ إليها القلوب.. وتلك طيبة الطيبة التي بارك الله سبحانه في مدّها وصاعها، استجابة لدعوة الحبيب المصطفى، فكيف لا تشد إليهما الرحال! خاصة في شهر البركات الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.! فهنيئاً للمسلمين طيب هذه الديار الطاهرة، وهنيئاً لمليوني مسلم جاؤوا زرافات ووحدانا في هذا الشهر الكريم ليقضوا أحلى أيام العمر في مكة والمدينة، تظللهم عناية ربانية، وتحفهم رعاية إلهية خص بها الله سبحانه الأسرة المالكة الكريمة في كنف الرحاب الطاهرة، حيث من نعم الله سبحانه ان سخر لهذه البلاد في الوقت الصعب رجلاً استثنائياً بإيمانه وحكمته وشجاعته وشهامته، جلالة الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- الذي قدم تضحيات جسام هو ورجاله في سبيل ان ترتفع راية التوحيد خفاقة عالية في بلاد الحرمين الشريفين.
إنه صقر الجزيرة القائد الفذّ الذي جاهد وناضل ولمَّ الشتات وألف القلوب المختلفة، والنفوس المتنافرة، حتى تم له ما أراد من بناء هذه المملكة الخالدة في شبه القارة الواسعة، فكان ان حقق الله النصر للملك عبدالعزيز، وتوحدت البلاد وكانت تلك مرحلة التأسيس، ليبدأ بعدها البناء والإعمار، ونشر الأمن في ربوع أرض الحرمين الشريفين ومهبط الوحي ومعقل الإسلام ومنبع الرسالات لتبقى البلاد مركز إشعاع ديني وحضاري وثقافي وفكري.
وأتى من بعده أبناؤه البررة الكرام الذين واصلوا تثبيت الأمن، وهي الغاية في كل عمل، بعد أن كانت البلاد تعيش عهود التفرقة، والقبلية الجاهلة، ومن منا لا يتذكر ما حفظته لنا كتب التاريخ والشهود الأحياء الذين أكدوا كيف ان اللصوص استباحوا ديار الحرمين الشريفين، وهددوا أمن زوار بيت الله الحرام لأداء مناسكهم في الحج أو العمرة أو زيارة قبر ومسجد خاتم الأنبياء محمد عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم.
نعم لو عدنا إلى الوراء، إلى ما قبل أن تبسط أسرة آل سعود حكمها، حيث تقول لنا كتب التاريخ، وكبار القوم الحافظين كيف كان يعاني طالب الحج وأداء الفريضة من متاعب جمة وكم كانت رحلته إلى الديار المقدسة محفوفة بالمخاطر، فقد كانت خدمة الحجيج شبه معدومة، إضافة للخوف من التعرض لعصابات اللصوص وقطاع الطرق، الأمر الذي كان يفرض على الحاج ان يودع أهله وكأنه الوداع الأخير. أما الآن فالأمر على العكس تماماً، وهل من أحد ينكر بأن الأسرة الحاكمة التي وهبها الله الحكمة والملك تضع في أول اهتماماتها رعاية زوار بيت الله الحرام، وطيبة الطيبة وتوفير كل أسباب الراحة والأمان من رفادة وسقاية..!
وهو شرف لا يعادله شرف، وحظ لا يناله إلا من نال رضا الله سبحانه وتعالى، وتبقى جهود الحكومة الرشيدة شاهداً يومياً على مواصلة مسيرة الخير الذي تأسس برسالة السماء (عقيدة الاسلام) صافية نقية.. جعلها جلالة المغفور له الملك عبدالعزيز نصب عينيه منهجاً في سره وعلانيته، وسار على دربه أبناؤه من بعده، فكان نتاج ذلك أمناً وأماناً، وخيراً ونماء، وعدلا واستقرارا.
وستبدو الصورة واضحة ومضيئة عندما تجري مقارنة بين ما كان في الماضي قبيل مجيء المؤسس وموحد الجزيرة، وبين اليوم الذي يعيشه الجميع، وأمام أعينهم خبرات متدفقة وخدمات تجعل المرء يقف أمامها شاكراً الله، ثم أسرة آل سعود الذين أسسوا بنيانا قائما على التقوى، يجني المسلمون في عهدهم الميمون من كل أنحاء الأرض ثماره، وتلمسوا الفارق الشاسع بين الماضي القلق والحاضر، وما يلمسونه الآن ماثلا أمامهم من حضارة وتقدم وعناية توصف بالشمولية في كل شيء، بدءاً من الأمن ومرورا بالترحاب وكرم الضيافة والخدمات المقدمة والمتابعة الدقيقة وتذليل الصعاب والبسمة المرسومة على شفاه خدام بيت الله الحرام، ومسجد نبيه الكريم.
إنه عهد الفهد الزاهر، يتواصل البذل فيه بلا حدود، ويستمر النماء بلا قيود، فالجميع أصبحوا أنصاراً للحق، وأعواناً للعدل، ساعين لتوفير كل الاحتياجات التي تعين المعتمر والحاج والزائر على أداء شعائره براحة وطمأنينة، ومن داهمته عارضة مرضية فسيجد المشافي بكامل جاهزيتها، ولن يكلف نفسه عناء البحث عن سرير أو دواء من صيدلية خارجية، بل إن وزارة الصحة وعلى رأس هرمها الشامخ وزيرها الشاب والإداري الخلوق معالي الدكتور حمد المانع، قد جندت كافة طواقمها الصحية ومستشفياتها البعيدة والقريبة، وتلك التي حول الحرمين الشريفين لخدمة ضيوف الرحمن تنفيذا لسياسة وأوامر خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد الأمين وسمو النائب الثاني -حفظهم الله- الذين حملوا قضية راحة زوار الديار المقدسة مسؤولية دونها فداء المهج والأرواح، وتهون في سبيلها المصاعب وتذلل العثرات. فقد صدرت توجيهاتهم الكريمة لتوفير كل رعاية ومساعدة لضيوف الرحمن، الذين أحاطت بهم القلوب قبل العيون أينما حلوا، ليسعدوا بوجوه مستبشرة تستقبلهم بالفرحة والرضا أينما ساروا وكيفما توجهوا في أدائهم مناسكهم، أو في زياراتهم للمشاعر المقدسة، وفي تنقلاتهم وصحتهم وإقامتهم، وفي طعامهم وشرابهم، في رحاب الأرض التي اختصها الله بالقداسة، وبارك فيها استجابة لدعوة خليله ابراهيم وذريته من بعده إلى يوم يبعثون. وما يراه المرء من مستشفيات ومراكز صحية يشيع البهجة والفرحة في النفس، ويؤكد ان أمة هكذا قادتها لن تهزم أبدا بإذن الله الواحد الأحد. فبارك الله في سعي الجميع، ودوما نتطلع إلى رقي يعجب المحبين، ويكوي صدور الحاسدين الحاقدين على الاسلام، ودين الاسلام.
فالله نسأل ان يديم علينا نعمة الاسلام، وان يحفظ لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وان يعين قادتنا الراشدين على فعل كل ما فيه خير للإسلام والمسلمين، وان يوفقهم لتحقيق المزيد من الانجازات، والنهوض باعباء مسؤولياتهم على أكمل وجه لخدمة ضيوف الرحمن، كما نسأله سبحانه ان يديم علينا وعلى زوار بيت الله الحرام نعمة الأمن والاستقرار، فينعم الجميع بالأمان والرخاء في ظل تلك الدوحة الوارفة، وان يعينهم على أداء مناسكهم بيسر وسهولة، ويتقبل من الجميع إنه سميع مجيب، وكل عام وأنتم بخير.
فاكس 014803452
|