تحاول إسرائيل الظهور بمظهر الدولة التي تحارب الإرهاب بينما هي تمارس بالفعل إرهاب الدولة، غير أن المرارة التي تخلفها في نفوس الذين فقدوا أحباءهم وأبناءهم لن يخفف عنها إلا قيام هؤلاء بتجريع إسرائيل من ذات الكأس التي سقتهم إياها، وفي ظرف 48 ساعة كان على إسرائيل أيضا أن تعرف مرارة الفقد، عندما قتلت المقاومة ستة جنود لها وأصابت العديدين بجراح.
وتبذل إسرائيل جهودا غير عادية لإبعاد جنودها من مرمى نيران المقاومة، لكنها في كل مرة تفاجأ بأن هؤلاء يبتكرون أساليب جديدة للقتال لا قبل لإسرائيل بها، فالعقل المقاوم سرعان ما يتفتق عن وسائل جديدة وعن مفاجآت تذهل أكبر قوة عسكرية في المنطقة وتجعلها تبدو وكأنها فرقة عسكرية في دولة يسحقها التخلف، تتناهبها الهجمات من كل صوب وتفتك بها المفاجآت الصاعقة.
فالنفق الذي حفره رجال المقاومة بطول يقارب الخمسمائة متر إلى داخل أحد حصون العدو هو أسلوب جديد في العمل، وقد يتكرر وقد لا يتكرر، لكن هناك دائما مفاجأة ما تكمن لجنود الاحتلال في المنعطف التالي.
والأهم من ذلك أن هناك دائما أيضا استعدادا للتضحية بالنفس، وهذا هو أمضى سلاح للمقاومة تفتقر إليه الجموع الجرارة في الجيش الإسرائيلي، خصوصا وأن هؤلاء الجنود المنخرطين في جيش غير متجانس والقادمين من ما وراء البحار مجردين من عنصر الانتماء إلى الأرض، وهم إنما حضروا إلى أرض قالوا لهم إنها الأرض الموعودة، ومن ثم راحوا يكدسونهم في مستوطنات محاطة بالأسلاك الشائكة وبأبراج المراقبة، وقالوا لهم إن عليهم أن يدفعوا مقابل إيجاد موطئ قدم لهم فيما يسمونه (أرض الميعاد) وأن ذلك يتطلب أن يحملوا السلاح ليواجهوا المقاومة.
إن الرهان الذي تخوضه إسرائيل هو بلا شك رهان خاسر، وهي لن تفلح مهما أوتيت من قوة أن تسكت نيران المقاومة، وما يجري حاليا يثبت أن التفوق بمئات المرات في العتاد العسكري لا يساوي شيئا أمام عزم المقاومة، وأن إسرائيل بكل جبروتها مضافا إليه مساندة عسكرية وسياسية من القوة العظمى الوحيدة في العالم، لا تستطيع أن تخضع هذه المقاومة.
ومع ذلك فإنه لا إسرائيل ولا الذين يدعمونها قادرون على فهم هذه الحالة التي أمامهم، فالأمر لا يحتاج إلى قوة السلاح بقدر ما يحتاج إلى الوعي بالمسلمات الإنسانية التي تتمثل في أن الإذلال وإرهاب الدولة لن يحقق أمنا ولا سلاما، وأن الحقوق يجب أن تعود إلى أصحابها، وعندما يتحقق ذلك فإن الطاقة القتالية ستتراجع، وسيرى الإسرائيليون أنهم أمام شعب فلسطيني قادر على إبداع حياة الاستقرار مثلما هو قادر على استخدام وسائل النضال بفاعلية مذهلة.
|