* الرياض - الجزيرة:
ألقى صاحب السمو الملكي الأمير تركي الفيصل سفير خادم الحرمين الشريفين بالمملكة المتحدة كلمة خلال المنتدى الاستراتيجي العربي الذي عقد بمدينة دبي يوم أمس قال فيها:
فأود أن أعرب عن فائق تقديري لهذا المنتدى على دعوته الكريمة لي للمشاركة في هذا اللقاء ولإتاحته الفرصة لتبادل الرأي مع جمعكم الكريم حول موضوع مهم يشغل عالمنا العربي ألا وهو مستقبل هذا العالم خلال الخمسة عشر عاماً القادمة في ظل أوضاع دولية متغيرة.
إن الحديث عن المستقبل، أي مستقبل، يحمل في طياته كثيراً من المجازفة لكون المستقبل في علم الغيب. وعلى الرغم من وجود ما يسمى الدراسات المستقبلية أو علوم المستقبل التي تضع سيناريوهات أو مشاهد متخيلة لاستطلاع ما سيكون عليه المستقبل إلا إنه يبقى خاضعاً لظروف وأوضاع وتطورات لا يمكن التنبؤ بها. ولهذا قد يكون حديث أهل السياسة الذين يتعاملون مع الواقع عن المستقبل معبراً عما يطمحون إلى رؤيته متحققاً في المستقبل بناء على طموحاتهم ومواقعهم وخلفياتهم الفكرية والوطنية والسياسية، أكثر من كونه استشرافاً لذلك المستقبل.
وفي حديثي إليكم في هذا الملتقى قد لا أخرج في استشرافي لمستقبل العالم العربي عام 2020 عما أتشوفه من خلال قراءاتي للواقع العالمي والواقع العربي ولما أرجو أن أراه متحققاً خلال الخمسة عشر عاماً القادمة في عالم عربي قد صلح حاله، ديدنه السلام والتضامن والتكامل، ويسير بتؤدة نحو مستقبله البعيد مشاركاً فاعلاً في نظام عالمي جديد متعدد القوى يقوم على توازن المصالح والتعاون والاحترام المتبادل والالتزام الكامل بالشرعية الدولية، ويسعى إلى معالجة القضايا الإنسانية من فقر وجوع وأمية وأمراض مستعصية، ويصون حقوق الإنسان ويحترم إرادة الشعوب بدلاً من الحروب والصراع والتدخل في شؤون الآخرين.
كيف سيبدو العالم العربي عام 2020؟
احتمالات للمناقشة
* سيكون العالم وقتها متعدد الأقطاب (أوروبا، الولايات المتحدة، الصين، الهند، روسيا) وأقطاب ثانوية (أمريكا الجنوبية بقيادة البرازيل، وتجمع أفريقي منتقى بقيادة جنوب افريقيا وشرق آسيا بقيادة اليابان) .
* سيكون العالم العربي قد بدأ أخيراً في التمتع بثمار الاستقرار والتنمية، بعد مرحلة من الاضطراب والتغيير مرت بسلام وبقدر بسيط من المعاناة في بعض أطرافه، وبصعوبة ومعاناة في أطراف أخرى. هذا الاستقرار مع قدرات العالم العربي الاقتصادية والبشرية سوف يسرع عملية التنمية وظهرت بوادر الرخاء مع تفاوت من قطر إلى آخر، وبطبيعته الفخورة بماضيه والمعتد بنفسه سيحاول أن يكون له دور في العالم الحديث. ولكن للأسف لن يكون العالم العربي في صيغته قطبا مع الأقطاب التي ذكرت.
* فلن يخرج العالم العربي كقوة إقليمية قوية في إطاره العربي التقليدي الذي اتفق عليه منذ ما بعد الاستقلال (الجامعة العربية) وإنما في أطر جغرافية اقتصادية، أتوقع مجموعة مشرقية ستكون (سوقا مشتركة) تجمع دول كالسعودية، مصر، العراق، تركيا، إيران، باكستان بالإضافة إلى بعض الدول الواقعة في جوارها كدول الخليج واليمن والأردن وسوريا ولبنان. ومجموعة أخرى مغربية تضم الدول العربية المغاربية (شمال أفريقيا) وتكون هذه متكاملة أكثر مع الدول الأوروبية شمال المتوسط.
* سيحدد النجاح والفشل في الالتحاق بهاتين المجموعتين هو ما تحقق الدول من نجاحات اقتصادية وانفتاح على اقتصاد السوق، وتطور سياسي وبالطبع استقرار.
* قد تحتار بعض الدول في اختيار محيطها مثل مصر والسودان، وسوريا، ولبنان، ولعلها تكون متداخلة مع المجموعتين في اتفاقيات ثنائية.
* إن النجاح في تحقيق هاتين المنظومتين سيساعد الدول العربية على أن تمارس نفوذا ما في المستقبل المزدحم بقوى جديدة، مثل الهند والصين وأمريكا الجنوبية وشرق آسيا، هذه القوى ستلغي مع أوروبا الموحدة نظام القطب الواحد (كما أشرت سابقاً) والذي استمر طوال العقدين الأولين من القرن الواحد والعشرين.
* ستقبل الاقتصاديات العربية والإسلامية الكبرى بقوانين العولمة وتتحول إليها بدون صعوبات تذكر باستثناء الدول ذات الكثافة السكانية الكبيرة، والتي ستحمل معها إلى المستقبل تراثاً قوياً من الحكم الشمولي والاقتصاد الموجه، مثل مصر وإيران والتي ستعاني بعض الشيء من اضطرابات اقتصادية واجتماعية مقابل قبولها بالعولمة وانفتاحها. ويمكن أن تضاف إليها المملكة العربية السعودية ولكن لسبب آخر هو نفوذ القوى الرافضة للتطور فيها، والتي ستعارض التحولات الاقتصادية وما يتبعها من تحولات اجتماعية، ولكنها سترضخ في النهاية لتطلعات الغالبية للتطور والانفتاح.
* الولايات المتحدة ستبقى في المنطقة على شكل قواعد في بعض الدول العربية الصغيرة، وسيقل وجودها تدريجيا في العراق، إذ سيكون موضوع انسحاب القواعد الأمريكية من العراق الجديد قضية الحركة الوطنية العراقية، ومطروحة دوماً في السياسة العراقية المحلية خاصة أثناء الانتخابات، ستحاول الولايات المتحدة إغراء العراقيين اقتصاديا لربط الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الأمريكي من خلال منطقة للتجارة الحرة واستثمارات واسعة ونقل للتقنية، وتحويل القواعد العسكرية إلى اتفاقيات للتدريب والشراكة العسكرية.
* أصعب التوقعات تقتصر على القضية الفلسطينية، فرغم كل الحديث عن الانفراج والفرص المحتملة بعد وفاة الرئيس عرفات. إلا أن توقع حل ما ونهاية ما لهذا الصراع الطويل عملية صعبة جداً، فالحقائق الحالية تقول أن العالم مستعد لتحمل ابشع صور الظلم والممارسات الإسرائيلية التي لن تقبل لو جاءت من أي قوة احتلال أخرى، وطالما أن العالم مستعد للاستمرار في هذا التجاهل والولايات المتحدة مستمرة في دعم أي سياسة تأتي من إسرائيل وأي رئيس وزراء مهما كان متطرفاً، فلن يكون هناك سبب يدفع إسرائيل لتقديم أي تنازل، ولن يستطيع الفلسطينيون أن يقدموا مزيداً من التنازلات إذ لن يبقى لهم شيء يتنازلون عنه كما ستئد هذه السياسة الأمريكية كل محاولات القوى الإسرائيلية المدركة لضرورة السلام مع العرب للتوصل إلى حل عادل يرضى الجميع.
* إسرائيل ستكون أشبه ما يكون بمستعمرة عالية التقنية ذات نفوذ واسع في السوق العالمي، ومن هناك ستكون علاقتها بالعالم العربي. ولكن سيظل بينها وبين العالم العربي أسوار نفسية وسياسية وثقافية تمنع اندماجها الكامل في المنطقة مع وجود نقاط تعاون اقتصادي بينها وبين مجموعات متقدمة تقنيا في الأردن وفلسطين ولبنان والخليج. أقصد بالمجموعات تكتلات اقتصادية في شكل شركات تجارية وبيئة منشغلة بالتقنية المتقدمة ومنتجة لها.
* القوى الإسلامية (الإسلام السياسي) ستصبح أكثر واقعية وتقبل بمفهوم التعددية وتداول السلطة، وتقر باستحالة قيام الدولة الإسلامية الخالصة الممهدة إلى عودة الخلافة الراشدة فتترك هذا الأمر الغيبي إلى القدرة الإلهية، وتمارس عوضا عن ذلك سياسة دنيوية وإن كانت محكومة بالأخلاقيات الإسلامية وسوف يشجعها على ذلك الانفتاح السياسي الذي ستشهده المنطقة والذي سمح لها بحرية النشاط والدعوة، كما أن التقدم العلمي والتطور التقني في عالم الاتصالات وانتشار العولمة اقتصاديا وثقافيا والنمو الاقتصادي والفرصة بالرخاء سيؤدي إلى إفراز فقه جديد توافقي، وسوف يؤثر بالتأكيد على مسار القوى الإسلامية التقليدية، مع بقاء نتوءات أو جماعات إسلامية صغيرة تختار الانغلاق على ذاتها ويقبل بها المجتمع والدولة في إطار التسامح والتعددية.
* ستنحسر المجموعات الإرهابية التي تستخدم الدين مطية لها، بسبب فشلها في جلب انصار جدد، والرفض الشعبي لها بالإضافة إلى توسع رقعة المشاركة السياسية لتضم القوى المتدينة المعتدلة.
وعليه أرى أن معالجة هذه التحديات ضرورة ملحة لنا، ليس فقط للدخول إلى المستقبل والتعامل مع نظام عالمي احادي القطبية حالياً، واستعداداً للتفاعل مع نظام متعدد الأقطاب نرى انه قادم خلال الخمسة عشر عاماً المقبلة، بل أيضا لحماية أمننا والحفاظ على وحدة دولنا وتحقيق طموحات شعوبنا، وبما أن كثيراً مما نحن فيه من صنع أيدينا فبها أيضاً معالجتها وتجاوزها، ومما هو من صنع غيرنا أو نتيجة تدخل الآخرين في شؤوننا، فإن بالامكان اذا ما صلحت أوضاعنا وأقمنا علاقات سوية فيما بيننا وبينهم أن نكون شركاء جديرين بثقتهم في نظام دولي متعدد الاقطاب يقوم على القانون الدولي واحترام الشعوب وتوازن المصالح.
|