لقد أثلج صدري أن يشارك سعادة الأستاذ فؤاد عنقاوي بقلمه الذي دبج به يوميات الرياض مشاركا في معالجة الأغنية السعودية.. ما آلت إليه حالها الوهنة..!
لقد أكبرت مشاركته في الوقت الذي يرى فيه الكثير من أدبائنا وكتابنا.. بأن معالجة مثل هذه القضايا (الفنية) هي في مستوى (الدون) بالنسبة لمستوياتهم الفكرية.. في نظرهم أن الكتابة في الفنون مضيعة لسمعتهم.. وهم لا يتوانون عن الجدل اللامجدي في حوارات يمجها العرف الأدبي.. بل وتتنافى مع مبادئ الذوق واللباقة.. ويرون في معالجة وضع الأغنية.. سخفا..؟! وهي عنصر من عناصر الرقي.. والحضارة..
لقد أوفى أستاذنا العنقاوي جوانب الضعف في الأغنية السعودية حقها.. ولم يترك لنا مجال التطرق لأي مؤثر قاد الأغنية لركودها.. وتقوقعها.. فماذا عسانا قائلين..
إن تطور الأغنية المحلية.. وخروجها من إطار محليتها مرهون بجهود الملحن والمؤلف والمغنى.. ولكن مسؤولية الملحن قد تكون في الدرجة الأولى من المسؤولية.. وبعد ذلك لن يكون دور المؤلف الذي يستطيع بصدق تصويره.. وبقوة تعبيره.. إلا أن يجعل من الكلمة (رسن) يمسك بزمام الأغنية إلى أفق بعيد.. وإلى مساحة عربية ومشكلة تطوير الأغنية لم يفهمها الفنان بعد.. الفنان الملحن والمغني.. لأن محاولتهم وإن كانت جادة.. فهم بعد لم يستوعبوا معنى التطوير.. الأغنية المحلية التي يعتبرها الملحن على المستوى الشعبي معظمها بعيدة عن البيئة التي خرجت منها.. انبثقت من جنوب الجزيرة.. من اللون اللحجي.. ما شاكله من تركات الشيخ البار.. وجمعة خان.. والقعطبي.. وإذا ما أرادوا تطويرها.. فكل ذلك لن يتعدى (تمصيرها) أو (لبننتها) وهكذا..
التطوير.. لا التزوير.. أيها الملحنون.. التطوير ليس تقليدا ولا محاكاة.. بل هو إبداع واختراع.. إبداع في اللحن وعايشة للفنون النابعة من هذه الأرض الملهمة.. والاختراع في إعطاء الألحان روحا موسيقية جديدة.. في التوزيع والتنسيق.. كيلا تتيه الأغنية في زحمة التقليد والمحاكاة.. ولكيلا تفقد سحنتها السمراء.. وأريجها وعنفوانها.. وهذا لن يكون سهل المنال ما لم يتخل الفنان عن (ماديته) و(ارتجاليته) وإلا لما كان هذا التسابق العددي في إنتاج الأغنية دون التمعن في كيفيتها.. والتمكن من جودتها وقدرتها على الوقوف بسيقان فولاذية..تمنيت أن يتقيد فنانونا بمواسم غنائية تجعلهم أكثر قدرة على التمعن في الخلق والإبداع.. لكي تكون أعمالهم أكثر خصبا وعطاء..
ولكي يتلاشى شيخ الهزل عن الأغنية القصيرة المرتجلة التي تشبه إلى حد بعيد (العلكة) أي اللبان المحلي ما إن تلوكه حتى يزول طعمه ومذاقه.. فتمجه النفس خاليا وخاويا من الفائدة..
|