سعادة رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الموقر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
تعقيباً على الموضوعات المطروحة عن (التعدد) في الزواج، بين مؤيد ومتحفظ، ولا أقول: رافض له؛ لأن هذا شرع سماوي، فالله سبحانه وتعالى يقول: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةًْ}.
لا شك أن هذه الآية الكريمة تحمل معاني عدة، وعلى حملها لتلك المعاني تعدد الناس في الأخذ منها، والوصول في النهاية إلى ما يسمى التعدد، ومرادي بتعدد الناس، أي مقاصدهم وغاياتهم، ولو نظرنا إلى الإنسان بشكل عام لوجدنا فيه غريزة حب التجديد في كل مناحي الحياة، ومنها تغيير حياته الأسرية، وذلك باللجوء إلى التعدد.
الحقيقة أن ذلك شرع الله وليس لمسلم الاعتراض على شرعية ذلك، ولكن لو رجعنا إلى الآية لوجدنا التقييد الذي يتجاهله كثير من الناس، فالله - عزّ وجلّ - قيد التعدد بكلمة يصعب على الإنسان تحقيق مضامينها في وقتنا الحاضر، وهي (العدل) وظنوا أن المؤهل الحقيقي للعدل هو المادة، وأن توافرها كفيل بقدرة الرجل على التعدد. وهذه في الحقيقة نظرة دونية، فلو عدنا إلى عهد آبائنا وأجدادنا لوجدنا التعدد بين الغالبية التي لا تملك حتى قوت يومها، ومع ذلك فحياتهم طبيعية يسودها الوئام والألفة، على النقيض من يومنا هذا الذي نرى فيه كثرة حالات الطلاق والتفرقة التي راح ضحيتها الأبناء بسبب نظرة قاصرة للرجل.
إن مسألة التعدد ليست كما ينظر إليها البعض بأنها تجديد وإشباع للغرائز، فالجديد حتماً سيصبح يوماً ما قديماً، والإنسان بطبعه ملول، فلو تروى كل مقدم على التعدد، وفكر في المستقبل البعيد، والنتائج من هذا الزواج فسيعرف حتماً هل هو مؤهل لزوجة أخرى، أم لا؟! ولكن النشوة التي يعيشها المقدم على الزواج من الثانية تكون قد ملأت مخيلته وعطلت عليه جميع سبل التفكير وأغلقت عليه أبواب الاحتمالات المستقبلية.
الحقيقة أن هذه النشوة التي يعيشها تصاحبها عاطفة غالباً ما تكون خفية في هذا الوقت، ولكنها مسألة وقت وتبدأ هذه النشوة في التآكل والاضمحلال، ومن ثم تظهر هذه العاطفة بقوة، وهي عاطفة الرجل تجاه بيته الأول وأولاده، ومن ثم يبدأ التفكير، وتبدأ مجاهدة النفس، ويكون الرجل في المحك، هل هو قادر فعلاً على إدارة بيتين أم لا؟
إن الإدارة ليست كما يظنها البعض من توفير المأكل والمشرب، فالإدارة بالتربية وحسن التعامل، وإعطاء كل ذي حق حقه. هذا ما يجب على كل معدّد أن ينظر إليه قبل التفكير في الزواج، وهل هو قادر على تحمل هذه المسؤولية التي جلبها لنفسه؟
أقول ذلك لكل من يتوهم أن التعدد مباهاة، وإشباع للرغبات، والحياة مدرسة السعيد فيها من اتعظ بغيره.
خالد بن صالح المزيني
مدير مدرسة مسكة المتوسطة |