يعد العراق كتاباً مفتوحاً يحكي بطريقة مباشرة سلبيات التدخل العسكري والسياسي القسري وسط دعوات أمريكية وغربية بضرورة إجراء إصلاحات في دول المنطقة مع التلميح إلى التجربة العراقية التي تجسد بعضاً من أبشع مظاهر التدخل في شؤون الآخرين.
وقبل أن تنضج التجربة وتؤتي ثمارها، فإن القائمين عليها يحثون على الاقتداء بها، على الرغم أنها محاطة بكل أنواع الأخطار، فنحن أمام عراق تتمزقه الاضطرابات وتتوعده بما هو أفدح، وخصوصاً أن العنف لا يولد إلا العنف، والساحة كلّها خاضعة للتحديات الدامية، حيث من الصعوبة تحسس بادرة سلمية.
إن الإقرار من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في منتدى المستقبل بالرباط على أن الإصلاح السياسي والاقتصادي ينبغي أن ينبع من الداخل، لا ينفي الدفع الأمريكي باتجاه تبني نهج ربما لا يتواءم مع المعطيات في كل دولة وبالتالي الانزلاق إلى واقع قد يتناقض مع ما هو حادث في المنطقة ومع التطلعات.
فقد أحاطت الشكوك ولا تزال بالدعوة الأمريكية الغربية للإصلاح منذ بدايتها قبل أن يفطن مطلقو هذه الدعوة إلى أهمية الالتفات إلى المعايير الوطنية في كل دولة وأبعاد التصورات الغربية باعتبار أن بعضها غريب عمّا يجري في أنحاء أخرى خارج المحيط الغربي.
هذا مع قناعة دول المنطقة بأن الإصلاح أصلاً أمر قائم ومستمر وأنه يخضع للأولويات الداخلية.
ويبدو من المناسب في كل وقت تقديم أمثلة حية يمكن الاقتداء بها، ولعل الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يحظى باهتمام دولي وبمعرفة واسعة بأسبابه وملابساته على نطاق العالم، كما ينطوي على أدبيات وملفات وتجارب للتسوية يندر توافرها في أي مكان آخر في العالم، لعل هذا الصراع يمكن مواجهته من قبل الأطراف الفاعلة والعمل على تطبيق ذلك الإرث من أدبيات السلام المتمثلة في القرارات الدولية من أجل تقديم تجربة حية تبرز اهتمام الدول الكبرى بالسلام والاستقرار من خلال إقامة الدولة الفلسطينية وفقاً للتطلعات الفلسطينية أولاً وبالطريقة التي تستجيب لدواعي الحق.
وفي ذلك إظهار للنزوع الصادق للإصلاحات التي تتناول مصير شعب بأكمله.
هذه التجربة الحية هي ما تتطلع المنطقة إلى رؤيته حيث تتوافر مقومات التسوية من قرارات واستعدادات لكن المسألة تنقصها الإرادة السياسية التي تحيل تلك القرارات إلى وقائع على الأرض، وخصوصاً أن القضية الفلسطينية تفرز سلبيات لا تقتصر على المنطقة، بل تغطي العالم أجمع بسبب طبيعتها وتحالفات أطرافها التي تؤثر على هذه الأطراف سلباً وإيجاباً، فالدعم الأمريكي للاعتداءات الإسرائيلية يجرد السلام من أهم أركانه، وهو الالتزام بالقرارات الدولية.
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة هي التي تتزعم الدعوة للإصلاح السياسي في المنطقة بينما تسجل فشلاً مريعاً من خلال تفويت الفرصة المتاحة أمامها كوسيط للسلام لتشجيع التسوية وإجبار الطرف الإسرائيلي على السلوك بالطريقة المناسبة التي يمكن من خلالها تطبيق هذه التسوية.
|