* ولايخفى على العالمين، أن مايقارب من 60% من العمالة في المملكة تصنف في فئة (ج) أي ضعيفة الدخل والتي عادة ما تعتمد على المواصلات العامة، ولكن بسبب عدم وجود هذه المواصلات من قطارات و(ترلي باص)، لجأت إلى شراء وركوب سيارات رخيصة غير صالحة للطريق، وهي تشبه القنابل المتحركة؛ كما وصفها وزير النقل.!
* في الأعياد والمناسبات والعطل وجميع الإجازات؛ يعتمد الناس في أسفارهم على الطائرات والسيارات والبحر، وغالباً لا يستطيع المرء أن يجد حجزاً في الطائرات، ولكن البديل موجود وهو القطار السريع شبه (TGV) في فرنسا والذي تبلغ سرعته (300-350) كم في الساعة، فلماذا لا نوفر مثل هذا القطار، أو أقل منه سرعة للأمان في هذه البلاد المباركة، لأنه يساعد بدوره في تقليص نزوح البشر من المدن الصغيرة والبادية إلى المدن الكبيرة، وذلك انطلاقاً من ربط هذه القارة بعضها ببعض، فتقل حركة الهجرة إلى المدن وتنتعش المناطق الأخرى التي يصلها القطار؛ ويهنأ الناس ويأنسون بقربهم من المدن الكبرى.
* دراسات كثيرة جداً ومتكررة، تقول عن عدم جدوى استعمال القطار في المثلث المكتظ بالحجيج في موسم الحج والعمرة ورمضان، وهذا المثلث هو: جدة-مكة المكرمة- المدينة المنورة.. والاستنتاج هو: إما أن هذه الدراسات غير صحيحة، من أجل الاستمرار في الاعتمادعلى الحافلات واللواري وغيرها، وهو الأرجح، وإما أن يكون العالم بأكمله والذي يستعمل هذه الوسيلة من المواصلات على خطأ!
* بالنسبة لقضية استعمال القطار في المشاعر المقدسة وعدم جدواها، فهذا كلام مردود على من يدعيه، حيث إننا إذا فرضنا أن عدد الحجاج يبلغ (2) مليون نسمة؛ ويتم نقلهم في حافلات بسعة (40) شخصا للحافلة، فإننا بحاجة لما يقرب من (50) ألف حافلة أو ما يغطي مساحة لاستيعابها أكثر من (500) كم طولي.. أما بالنسبة إلى كون المشاعر لها حيز مكاني محدود، حسب قول وزير النقل؛ وأن خطوط القطار تضيق المساحة أكثر، فهذا الكلام نظري بحت وليس دقيقا، حيث إن مسار القطار لا يشغل أكثر من مسار سيارة واحدة، وينقل أكبر عدد من الناس في أقصر مدة، بدون تلوث أو زحمة سير، وأما بالنسبة لضيق المساحة فهاكم ما أرى من حلول:
1) نفق تحت الأرض.
2) جسور فوق الأرض.
3) مسار في الطريق، حيث يستعمل مسار القطار في فترة الحج والعمرة (فترة الذروة)، وتقلل أو تمنع السيارات من الدخول إلى هذه المناطق إلا سيارات الدولة الرسمية، والخدمات والمطوفين الخاصة وضيوف الدولة، والإسعاف والمطافئ وما أشبه ذلك، ويشترك الجميع في المسار. وهذا أمر معمول به في كثير من بلاد العالم، وهي حالة مساحة مسار القطار في ومع مسار السيارات المحدد تخصصاتها، أما بالنسبة لطريقة التشغيل، فبلادنا ولله الحمد والمنّة غنية بالبترول والغاز والكهرباء، وكثير من المواد التي يمكن استخدامها في تشغيل القطارات!
* ولعل الإخوة الذين شاركوا في الحوار حول استعمال القطار لنقل مجد كبديل، رأوا ما رأى وزير النقل، وعليه فإني ألقي إليهم بقضية القطار، وأنا منذ نصف قرن أردد أن القاطرة هي الحل في مسار بلادنا الحياتي المتجدد والمتطور، وكانت وزارة المواصلات إلى ماقبل عقدين تقول إن استعمال القطار لا يحقق جدوى اقتصادية، وقبل التغيير الوزاري الأخير، كان الدكتور ناصر السلوم يؤكد أن قيام شبكة للسكة الحديدية في البلاد أصبح مجديا ومطلوبا، وأن خطا حديديا بين الدمام وجدة، بعرض الجزيرة سينفذ، إلى جانب شبكة أخرى، تشمل المنطقة الوسطى والغربية، وكذلك المدن: جدة- مكة المكرمة- المدينة المنورة بخطوط حديدية، تقدم خدمات متطورة للبلاد.. ولعل ذلك آت من منطلق تكوين هيئة لتطوير: مكة، المدينة، المشاعر المقدسة، ويشغل الدكتور السلوم، أمانة هيئة التطوير!
* ولا أدري إذا كان ذهاب وزير ومجيء وزير يغيّر خرائط ذات مشروعات مجدية حظيت بدراسات وأبحاث عبر سنوات وسنوات، ونجم عن ذلك قناعة بضرورة قيام شبكة سكة حديدية في البلاد، من منطلق زيادة سكان البلاد المطرد، حيث إن الإحصاءات تقول: إن سكان المملكة اليوم بلغ اثنين وعشرين مليونا، عدا غير السعوديين، وأن هذا العدد سيرتفع بعد عشر سنوات إلى ثلاثين مليونا، وإلى المزيد.. ولعل مردّ ذلك البطء في التنفيذ وكثرة الدراسات عبر سنوات وسنوات، وكذلك لبطء اتخاذ القرارات! ونلاحظ أن كثيراً من مشروعاتنا الكبار لا يحدد لها وقت بدء وانتهاء؛ وهذا خلل معطل للإنجاز، وإن حدد فإنه يظل رهين إعادة النظر في التغيير والتعديل والتوقف بلا أسباب؛ وتغير وزير ومجيء آخر إلخ!
* وزير النقل يعيش في وطنه ويتنقل، في الرياض وجدة والشرقية، ويرى هذا الزخم من السيارات، وأن أكثر من فيها فرادى؛ وقد هاله ذلك، وكل يوم ينزل إلى شوارعنا مئات وآلاف السيارات، وثروتنا ذاهبة فيها، وعندنا مخزون منها يكفي عقودا، ولم نفكر في إيقاف استيرادها سنوات، ونستورد قطع غيار ونستعمل المخزون من هذه السيارات.. ورأيت في ميناء جدة البحري في شهر رجب 1425هـ عشرات السيارات المستعملة، مستوردة من أمريكا وأوربا، ولعل لسان حالنا يردد: هل من مزيد؟
* مصر كمثل: جنحت قبل سنوت إلى -مترو الأنفاق-، وقد حل لها أزمات، حيث ينقل يوميا في القاهرة أكثر من مليوني نسمة، ولم تحل مشكلتها الجسور والأنفاق التي تخترق مدينة القاهرة في اتجاهات شتى.. وللدكتور الصريصري وأمانات الرياض، جدة، والشرقية، إذا أرادوا تخفيف ضغوط السيارات وضحاياها وتلويثها، أن يأخذوا في استعمال (مترو الأنفاق) وفي جدة، حيث طبيعة الأرض هشة، يمكن أن يكون تسييره على ظهر الأرض، وفي ذلك الحل المرضي والمجدي، وسوف نألفه، ويعين المرأة والفقير الذين لايستطيعون أجور سيارات الأجرة.. وتخفيف أعباء الشاحنات التي لا حصر لها والحافلات وسيارات الأجرة وكلها تتلف الطرق، والبديل، القطار بمختلف أدائه.. وسبل النقل القائمة المستمرة، تدفعنا إلى استقدام مئات الألوف من العمالة التي تمارس قيادة هذه المركبات، التي توشك أن تبلغ كمياتها، نحو نصف عدد المواطنين، ذلك أن أكثر بيوتنا وسكنانا أمام أبوابهم الخارجية سيارات.. والعملية قد تحتاج إلى العيوطي أو سابا من المحاسبين القانونيين، وبأيديهم الآلات الحسابة للمال والعمالة، غير أن القاطرات لا تحتاج إلى 1% من هذه الأرتال من العمالة، إذا جنحنا إلى مسألة حسابية دقيقة، بعيدا عن الأوهام والتخمينات، وضرب أخماس لأسداس كما يقول المثل السائر.. وأذكر أنني كنت أسافر إلى أمريكا لزيارة أبنائي هناك، وأنا أعبر (الهاي وي الطريق الخالية؛ ترجمة المسمى، كنت أتسلى بعدّ قاطرات تجرها (ماكينة) واحدة، وابني يقود سيارتنا، فكان عددها يبلغ المائة والستين، وعدد العاملين في هذه القاطرة لا يبلغ خمس عدد سائقي مائة وستين شاحنة!
|