يارا
لا تعط عقلك غيرك
عبد الله بن بخيت

بعد معرض جامعة الملك سعود للكتاب الأخير تبيَّن لي أن علاقتنا بالثقافة ما زالت معلقة بالماضي وفي أحسن الأحوال معلقة بفترة الستينات الثورية. استمر الكتاب فترة طويلة وحضارات متعددة يمثِّل المصدر الوحيد والأساسي لنقل المعرفة وتلقيها حتى تحول إلى مركز المعرفة الأساسي للحضارة الإنسانية، وهذا صحيح مئة في المائة في كل العصور الماضية. الكتاب هو ذلك الكلام الصامت الملفوف في ورق بصورة معينة. وهذا التعريف الخفيف يجعلني أستبعد الكتاب الإلكتروني من دلالة الكتاب التي في ذهني. كما لا أعد الكتاب المسجل بالصوت كتاباً، والأخير هذا أبعد ما يكون عن مهمة الكتاب. لتسهيل تعاملي الشخصي مع الكتاب قسمته إلى قسمين: كتاب المعلومة وكتاب الرأي (هذا تصنيف شخصي) لا يرقى إلى التصنيف الأكاديمي وعلى هامش هذا التقسيم أجد أن هناك كتاباً يصعب الوصول إليه وهو الكتاب المحرض على التفكير، وهو قسم ثالث رغم أني لم أضعه بعنوان بارز كمنافس للتصنيفين الأساسيين لقلة وجوده. هذا النوع لا يقدِّم معلومة معينة ولا يقدِّم رأياً وإنما يطرح أسئلة، لا يجيب عليها وإنما يحلِّلها. لا يسمح للأسئلة أن تسيطر عليه لأن السؤال قد يكون مفبركاً للإيقاع بك في فخ الرأي، خذ السؤال التالي: أيهما أفضل كيري أم بوش، هذا ليس سؤالاً بالضرورة، هذا إطار لجواب كبير ينتظر منك أن تؤمن به، لأن كلا الشخصين معادٍ بالنسبة لك، كلاهما يمثلان شيئاً يستهدفك، فكلمة أفضل ليس لها دلالة هنا، ليس لها موقع فهي فخ. السؤال يمكن أن يقلب ليكون: أيهما أسوأ كيري أم بوش؟ كما هي الحال دائماً في الاستفتاءات؛ فهي أفخاخ أكثر منها خيارات. ورغم تنوّع الكتب وهديرها والهالات المخيفة المحيطة بها لا أعد الكتاب خطراً يتهدد أحداً إلا في حالة واحدة إذا قيِّدت اتجاهات الرأي المختلفة في سبيل رأي أوحد لإحكام السيطرة على العقول. وحتى في وضع كهذا لا يكون للكتاب دور كبير، بل ربما يلعب دوراً عكسياً، فتجد أن الذين يطمحون في السيطرة على العقول لا يثقون في الكتاب كثيراً يأخذون الكتاب كجزء مكمل لأدوات السيطرة. خذ مثلاً قيادات الصحوة في المملكة لم يكن الكتاب أساسياً في حملاتهم للسيطرة على العقول، فالكتاب لا يمكن أن يحمل الشحنة العاطفية المطلوبة لأنه يمر على العقل أولاً. لا يمكن أن تخوض في كتاب دون توفّر قدر كبير من الصمت، والصمت كما نعرف يحرض على التأمل والتفكير، وأي فرصة للتأمل والتفكير ستكون خطراً على الراغبين في السيطرة على عقول الناس. في إحدى المرات نصحت شاباً في الجامعة بقراءة كتاب من الكتب، فقال بشكل حماسي إنه لا يمكن أن يقرأ هذا الكتاب، أستغربت لماذا لا تريد قراءته، فقال نصحني الدكتور في الجامعة بعدم قراءته لأن هذا الكتاب منحرف وسيؤثِّر على تفكيري. أخذته على جنب وقلت له سأعطيك قاعدة طبقتها على نفسي منذ الأيام الأولى التي عرفت فيها التعامل مع الكتب.
إذا قال لك أحدهم لا تقرأ الكتاب الفلاني فوجه إليه السؤال البسيط التالي: هل قرأته أنت؟ فإذا قال لا لم أقرأه فاسأله كيف عرفت أنه كتاب منحرف سيؤثِّر على التفكير؟ أما إذا قال نعم قرأته فوجه له السؤال التالي: لماذا لم يؤثِّر عليك ويحرف تفكيرك؟ فالذين يحرمون كتباً معينة إما أنهم قرؤوها أو أنهم لم يقرؤوها. فإذا كانوا قد قرؤوها فلماذا لم يتضرروا منها، أما إذا كانوا لم يقرؤوها فكيف عرفوا أنها ستضر بالعقول، إذاً الخطر لا يأتي من الكتاب وإنما من هذا الرجل الذي ينصحك بعدم قراءة هذا الكتاب أو ذاك لأنه يريد الاستيلاء على عقلك. والمثل الشعبي يقول: (لا تعطي عقلك غيرك).