قبل بضعة أيام ختمت أعمال مؤتمر الحوار الوطني الرابع ورفعت التوصيات إلى سمو ولي العهد مشتملة على ثلاثين توصية تركزت في أحد جوانبها على شؤون الطلاب شاملة تطوير المناهج وتنمية قدرات الطلبة والشباب عبر إشراكهم في مؤسسات المجتمع المدني وتشجيع التواصل بينهم وتيسير حصولهم على المعرفة من خلال إقامة مؤسسات ومراكز ثقافية وتشجيعهم على العمل التطوعي.. إلخ.
وتطرح حالياً العديد من الوسائل لمواجهة الفكر المتطرف والعقلية التكفيرية وما تنتجه من أعمال عنف وإرهاب، ومن ذلك دعم مؤسسات المجتمع المدني الموجودة وتأسيس مؤسسات جديدة، ويقصد عادة بمؤسسات المجتمع المدني جملة المؤسسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعمل في ميادينها المختلفة في استقلال نسبي عن سلطة الدولة، وعن أرباح الشركات في القطاع الخاص.
وفي تقديري أن انخراط الطلاب والشباب في مؤسسات المجتمع المدني هي إحدى أهم الوسائل العملية لمواجهة التعصب والعنف، ولعل إحدى أهم تلك المؤسسات التي تنتظر من الطلاب الانخراط فيها، أو القيام بها وتأسيسها هو إقامة اتحاد أو جمعية اتحادية للطلاب تعمل على التعبير عن هموم الطلاب وتطلعاتهم وحاجاتهم وتحاور الإدارة التعليمية للدفاع عن حقوق الطلاب والمساهمة في رفع مستوى التعليم، إن مثل هذه المؤسسة أو الاتحاد الطلابي يمكن أن تقوم بدور إيجابي كبير من خلال العمل العلني المشروع، والصريح والمكشوف للجميع (الدولة والمجتمع) من النظام السياسي إلى الإعلام مروراً بالآباء.. لن يكون هناك عمل خفي أو سري مشبوه، تمرر فيها أفكار متطرفة وتغسل خلاله أدمغة طلاب أبرياء ويافعين بسطاء.. لن تتاح الفرصة لحرف النشاط اللاصفي من ثقافي وفني وأدبي وكشفي إلى نشاطات سياسية أو إيديولوجية بعيدة عن الهموم الطلابية ناهيك عن المآرب الخفية والغامضة التي قد تكمن وراءها.
ولا يجدر بمسميات مثل نقابات أو اتحادات أن تثير حساسية البعض بعد الآن.. وذلك لأسباب عديدة أهمها، اضمحلال التوجهات الفكرية (الطرح الاشتراكي) التي كانت تدعم الأبعاد البنيوية (ثقافياً وسياسياً) لمثل تلك المؤسسات، كذلك فإن التوسع الهائل للمدن وتعقد حاجات مجتمعنا وتركيبته وعلاقات إنتاجه، وتشابك الأزمات الاقتصادية وتعثر بعض مشاريع التنمية، والهجرة العشوائية الكثيفة من البادية والريف إلى المدن وما يصاحبها من ترييف المدن التي أدت إلى تراجع كثير من الحالات المدنية وتهميش الدور التحديثي والتنموي للأنماط المدنية.. ذلك كله ولد الحاجة إلى أن يبادر القطاع الأهلي، وبتشجيع من الدولة في حالات عديدة، إلى تلبية بعض هذه الاحتياجات، وما قد يرتبط معها من تمكينها من القيام ببعض الأدوار الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي كانت تقوم بها الدولة.
وإقرار مثل تلك المؤسسات يتطلب من الجهات الرسمية وغير الرسمية القيام بما يكفي لتوعية العموم وإرشاد العاملين وتشجيعهم على إنشاء مثل تلك المؤسسات (نقابات، اتحادات، جمعيات..) وتسهيل الإجراءات وتفعيلها.. فهذه المؤسسات تهدف للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والارتفاع بمستوى المهنة والتعبير عن مصالح أعضائها، والمشاركة في الشأن العام.. كذلك فإن بوادر المجتمع المدني تتطلب الرعاية من الدولة عبر وضوح اللوائح والأنظمة وتفعيلها.
ينبغي أن يكون المعيار الأساسي لمؤسسات المجتمع المدني، كاتحاد للطلاب أو نقابة للعمال، هو فعالية أدائها الوظيفي ومجال صلاحياتها، وسقف الحريات المتاحة لها وليس مجرد إقرارها أو إنشائها، وفعالية هذه الوظيفة للمجتمع من خلال مؤسسات المجتمع المدني تتحقق في ظل دور تكاملي للمجتمع مع الدولة وهو دور يجعل مؤسسات المجتمع موازية لسلطة الدولة، وليس بديلاً عنها، ولا مجرد تابع لها، وإنما دور يحقق التوازن مع سلطة الدولة في إطار من التكامل وتقسيم العمل والتعاون على تحقيق كل ما هو خير ومنفعة عامة للمجتمع. إن التأكيد على أن مؤسسات المجتمع المدني لها دور تكاملي مع السلطة وليس تصادمياً، يعني أن على الجهات الرسمية المرونة في السماح بمزيد من الصلاحيات لهذه المؤسسات ضمن نطاقها الوظيفي المعلن وعدم التشدد في سقف تلك الصلاحيات مثل تلك الممنوحة لمجلس الشورى أو للمجالس البلدية أو اللجان والمؤسسات المقرَّة أو التي ستقر.
إن الدعوات الحكيمة للإصلاح التي ينادي بها القادة والنخب وما رافقها من قرارات مثل إقرار إنشاء لجان عمالية واتحاد للصحفيين، تشكيل مركز للحوار الفكري وتأسيس جامعات أهلية وإجراء انتخابات بلدية، وقيام جمعية مستقلة لحقوق الإنسان.. وما سيتبعها من قرارات أخرى متوقعة كاتحاد للأدباء، كل ذلك يمكن اعتباره تهيئة المناخ لمؤسسات المجتمع المدني الفاعلة.. كما يمكن اعتبار مجلس الشورى والمنظمات الطوعية والجمعيات الثقافية والعلمية والخيرية ومجالس غرف التجارة والصناعة أنماطا مدنية تمثل بوادر حركة مجتمع مدني حديث، وفي هذا السياق فإن الدعوة لإنشاء مؤسسة طلابية تأتي في التوقيت المناسب والإطار المناسب، فاتحاد للطلاب سيوفر سبيلاً للشباب ليتجمعوا فوق أرضية شرعية، يمارسون فيها نشاطاته، ويتحاورون من خلالها مع بعضهم، ومع أصحاب القرار التعليمي والمؤسسات المجتمعية الأخرى.. مما يساعد في بناء شباب حيوي واع في إدارة نفسه وتحديد مستقبله ومستقبل بلده، ويدعم مشروع الإصلاح السعودي في المشاركة بالقرار والشأن العام والانتخابات والتجمعات المشروعة.
|