تبدأ صباح هذا اليوم فعاليات لقاء (الحوار لغة الحضارات ودور الشباب تجاه الأفكار المنحرفة) ، الذي ينظمه الاتحاد العالمي للكشاف المسلم بالتعاون مع جمعية الكشافة العربية السعودية وتحتضنه مكة انتركونتيننتال ، ويرعاه صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة ويستمر لمدة خمسة أيام .. جميل هذا الخبر .. ورائع أن تتوالى الدعوات الوطنية للحوار .. وشيء جيد أن نربي الشباب على الحوار لغة وأدباً وسلوكاً .. ذلك أن المشاهد أن ثقافة التخلف هي المسيطرة - وللأسف الشديد - في توجيه دفة الحوار والتعايش بين جهات الاختلاف في عالمنا العربي والإسلامي بل وحتى على المستوى الوطني .. الأمر الذي أدى إلى نتائج مؤسفة على صعيد الوحدة وتدعيم الصف ، والتعرف على أفضل الوسائل وأنجح السبل في تحقيق الأهداف المشتركة بعيداً عن دائرة العنف واحتدام الصراع .. ومعطيات الواقع تدل بوضوح مثلاً على أن النقاش في أوساط المثقفين - المرشح الأقوى لحوار أفضل - عادة ما ينعقد على أساس التحدي والمجابهة رغبة في الانتصار للذات ، وربما من أجل تضخيم الأمر أو تهميشه بدلاً من الوصول إلى الحقيقة تلك التي اتفق الجميع على ظلمها .. وبدلاً من إثبات خطأ الفكرة أو البرهان على صوابها يتجه النقاش ويبذل الجهد إلى تخطئة الآخرين وتجريحهم ولو من طرف خفي ، بهدف سحقهم وإسقاطهم ظنا من المحاور أن هذا هو المنهج الصحيح والطريق الأقرب لموت أفكار الخصم الذي قبل المنازلة عن طريق الحوار.
ومما يزيد الأمر سوءاً صورة التفكير التآمري القائم على سوء الظن بالآخرين الذي يتمثل في التسلح بإطلاق الأحكام وإصدار الآراء بسبب الافتراضات والتصورات المسبقة للأحداث وحول الأشخاص التي ينتج عنها تضليل في لغة الحوار وخطأ في تقدير المواقف .. وقد تظهر الشخصية الاستبدادية جلية حين النقاش الحواري الذي يحدث بين الرئيس ومرؤوسيه .. أو بين الزوج وزوجته .. أو بين الآباء والأبناء .. أو بين معلم وتلميذ .. أو بين .. وفي مثل هذه الحال يكون الحوار مجسداً للاستعلاء ، وهو سلوك متأصل في ذات المحاور الأقوى في ممارسة الزعامة ، ونزعة متجذرة حتى النخاع في تقمص دور السلطة المتمثلة (اسمع واستجب .. اطع ونفذ ثم ناقش ..) وعلى افتراض قيام الحوار فلا فائدة ، انه مجرد وسيلة لتأكيد صيغة الأمر بلغة العصر ، وهذا نهج يقوم على خلفية موروثة في نظام القيم المجتمعية الذي يمكن صاحب المركز ومدير المؤسسة ورب العائلة من توجيه لغة الحوار الإيجابي القائم على الفهم والدراسة لوجهة النظر الأخرى إلى حوار من طرف واحد وهو جزما حوار عقيم .. وقد لا يكون الحوار سلطويا بهذه الصورة الفجة ، ولكن ربما كان الحوار عدمياً تعجيزياً لا يرى كل طرف إلا السلبيات والخطأ .. أو حتى حوار مناورة ومنازلة كر وفر وتغيب الثمرة والمعنى المراد ، ويركز الطرفان على اللفظ بحثاً عن الأخطاء .. أو أنه حوار سطحي لا يصل إلى عمق الفكرة .. وربما الغائي تسفيهي .. أو تعصبي حاد يلتزم بالموروث ، وتحركه العادات والتقاليد وتصفده الانتماءات الضيقة بصنميتها المقيتة ، وتسيطر عليه الفوضى ورفع الصوت والصراخ وأخذ الحديث بالقوة والمقاطعة للمتحدث ، وعدم الاكتراث بما يقول وادعاء امتلاك الحقيقة التي لا يمكن أن تُخرق وما عند الغير فهو ضرب من السراب.
إن البرامج الحوارية والجماهيرية المفتوحة في القنوات العربية .. ومنتديات الإنترنت في الشبكة العنكبوتية .. إن هذه الوسائل الاتصالاتية الحديثة كشفت عن سوءتنا .. فلله در الشدائد التي أظهرت أن الواقع بيننا خلافاً لا اختلافاً .. واننا نجهل أو حتى اننا نعلم أسس الحوار وآلياته ولكننا لا نعمل بها ولا نلتزم بآداب الإسلام الحوارية. لقد بان التخبط لدى الكبار قبل الصغار وعند المثقفين قبل العوام ذات اليمين وذات الشمال في مشاركاتهم الحوارية .. إذ الإنصات في الغالب للأعلى صوتا لا للأصوب حكماً والأسدّ رأيا .. إن هذه الوسائل وضعت العربة أمام الحصان .. والواجب مضاعف على من يستطيعون إعادة ترتيب الوضع وتصحيح المسار بنشر الوعي الحواري ، حتى تسير العربة بأمان وتتحقق الفوائد المرجوة من مثل هذه اللقاءات الحوارية الرائعة بحق .. نعم إن الحوار حسن ومفيد وجزماً هو الطريق الصحيح للبناء وتحقيق النماء .. بل ليس لنا منه بد خاصة في هذا المنعطف التاريخي الصعب .. ولكن حالنا معه كحال طبيب لم يتدرب تدريباً كافياً فيقدم علاجاً خاطئاً لمريض فيقتله .. هو ليس قاتلاً ولا شريراً ولكن عدم كفاءته البريئة هذه يمكن أن تؤدي إلى ذات الأثر ..
هذا هو واقع الحوار في عالمنا العربي الإسلامي اليوم - حسب ظني - هناك إفراط في تبجيله وإفراط في استخدامه ، وأعتقد أنه يستخدم ببراءة ولكن ليس على هدى ولذا كانت النتيجة التي نعلمها جميعاً
- كل طرف يصبح أكثر تصلباً لرأيه مع مرور الأيام ..
- لا يحاول أي من الطرفين تكوين فكرة مغايرة للفكرتين المتصارعتين.
- وقت بلا حدود وطاقة مهدرة وتكلفة فكرية غير محسوبة وصرف عن الهدف الأساس.
- الإبداع والبراعة لكل جانب لا يوجهان لتطوير فكرة ذلك الجانب بل يوجهان لضمان هزيمة الفكرة المضادة.
- في النهاية الفكرة التي تنتصر هي الأقوى ولكنها ليست الأحسن بالضرورة .. كل ذلك لغياب الوعي الفعلي بالأسس الصحيحة للحوار ، أو اننا نعرفها جيداً ولكننا لا نتكئ عليها ولا نكترث بها أثناء حواراتنا العادية اليومية أو الثقافية الإعلامية أو حين نقاشاتنا العلمية والتربوية السياسية في المؤتمرات والجلسات واللقاءات المختلفة ، والأمل المنشود أن تُنمي مثل هذه اللقاءات الوعي الحواري لدى شبابنا وصغارنا من أجل أن يكون الحوار الوطني والعربي والإسلامي أعظم فائدة وأكثر نفعاً .. وجلساتنا ومؤتمراتنا ولقاءاتنا ذات أثر فاعل على مسار واقعنا ..
|