|
انت في
|
| |
الشيخ محمد بن ناصر العبودي علم من أعلام هذه البلاد، وعالم من علمائها، بيد أنه لم يتخصص في فن واحد لينسب إليه، ويتسابق أهل تخصصه إلى القيام به وإبراز مآثره، لقد ضرب بسهم بل أسهم في كل تخصص، فهو الذي ثنى ركبتيه في مجالس العلم وحلق العلماء في وقت انشغل فيه عامة الناس بمعيشتهم، فأخذ عن عدد من العلماء في عصره، لكنه لازم العلامة الشيخ عبدالله بن حميد- رحمه الله- ملازمة تامة في حله وارتحاله، حتى رأي فيه شيخه ما يراه العالم النابه في تلميذه النجيب، لقد لمس الشيخ من تلميذه الفطنة والذكاء، وتفرس فيه القيادة وحسن الأداء، فعينه قيماً للمكتبة العلمية في بريدة عام 1364هـ، ثم تولى التدريس والإدارة في المدارس الحكومية حال تأسيسها، حتى أسندت إليه - بترشيح من شيخه - إدارة المعهد العلمي في بريدة حين تأسيسه مع الفوج الأول من المعاهد العلمية، وذلك في عام 1373هـ، وكان طلاب المعهد في ذلك الوقت من مشاهير طلاب العلم البارزين.
ولا أعلم أحداً من العرب أو غيرهم قام بهذه الرحلات التي قام بها الشيخ، ولا وصل إلى ما وصل إليه، نعم ليست العبرة بعظم المشقة، ولا بطول الرحلة فإن للأوائل من ذلك النصيب الأكبر، لكن من غير الشيخ جاب الديار وكتب عن سائر الأمصار. إن ما تميز به الشيخ أنه طاف الدنيا، وكتب عنها، فكأنك شاهد معه تلك الرحلات، رغم ما بينك وبينها من المسافات. لقد عدت كتبه من المراجع المهمة لكثير من البلاد التي كتب عنها، فهو يكتب عن أديانهم، وعاداتهم، وقبائلهم، وأصولهم، وحضارتهم، ومظاهر الحياة عندهم بل ومساكنهم، ومساجدهم، وتقاليدهم، وأساليب معيشتهم، مع ما يذكره من طرائف ومواقف واجهته أثناء هذه الرحلات، ويكفي أن نعلم أن له أكثر من مائة وسبعين كتاباً في الرحلات فقط. ولم يكن نجاح الشيخ وبروزه في الكتابة فقط، بل هو متحدث لبق، ذو أسلوب شيق، ولغة فصيحة، وبرنامجه الناجح في إذاعة القرآن (المسلمون في العالم، مشاهد ورحلات)، يشهد على هذه الموهبة التي أظهرت جانباً من جوانب تميز وإبداع هذه الشخصية. لقد قام الأستاذ محمد المشوح بتأليفه للكتاب الماتع عن الشيخ محمد العبودي الذي وسمه ب(عميد الرحالين) بأحد فروض الكفايات، وحاز قصب السبق في ميدان الوفاء، وقد أبدع فيه المشوح، وأظهر موهبة كتابية رائعة، تضاف لمواهبه المتعددة التي سبق فيها سنه. وأثلج الصدر، وأظهر وفاء مجتمعنا لرواده، حينما أعلن الأمير المثقف، والمتحدث البليغ، صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة القصيم قبل أشهر إنشاء مركز ثقافي باسم الشيخ العبودي في مدينة بريدة، وإطلاق اسم الشيخ على أحد شوارع مدينته التي ترعرع فيها وشب وتعلم وعلم. وأما إدارة التعليم بالقصيم فهي كالعادة سبّاقة في مضمار الوفاء، ورائدة في تكريم الرواد، حيث بادرت بتسمية إحدى مدارسها الثانوية باسم الشيخ، وليس ذلك بمستغرب إذا كان على هرم المسؤولية فيها رجل الوفاء والإخلاص الأستاذ صالح بن عبدالله التويجري. وإنا لننتظر المزيد من ثمرات الوفاء ونتاج التكريم، والله لا يضيع أجر المحسنين. |
[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة] |