كتبت الأخت الأديبة أميمة الخميس في زاويتها (نوافذ) في عدد الجزيرة رقم 11758 يوم الثلاثاء 25 شوال من سنة 1425هـ، مقالا بعنوان (قارورة المحيميد)، وهي في مقالتها تتحدث عن رواية للروائي المعروف: يوسف المحيميد، بعنوان (القارورة)، صدرت عن المركز الثقافي العربي ببيروت، في طبعتها الأولى لعام 2004م، وقد حظيت بقوة شرائية في معرض الكتاب الدولي العاشر المقام في شهر شعبان لهذه السنة في جامعة الملك سعود، وقد أشارت الأخت أميمة إلى أن عنوانها هو هوية مبطنة، أو لربما خارطة سرية سيسير عليها القارئ طوال الرواية، وهو برفقة ذلك الكيان الزجاجي الجميل الشفاف بإعجاز، وفي الحقيقة أن مقال الكاتب قد أعادني إلى الوراء قليلا عندما وقعت في يدي تلك الرواية فأجهزت على صفحاتها التي تربو على مئتي صفحة قراءة، إذ كنت أتامل في جماليتها، وكيف استطاع الكاتب أن يوظف الظروف المحيطة بالنص لصنع مواقف كثيرة في روايته، ثم كيف استطاع أن يتبسط في لغته السردية على لسان الشخصيات، وخصوصا على لسان بطلة الرواية (منيرة الساهي)، كما أن الكاتب أبدع في أن تتضامن فصول روايته التي تصل إلى واحد وأربعين فصلا؛ كي تسير بالقارئ إلى خاتمة الرواية بانسيابية وهدوء، إذ استوعبت هذه الرواية أحداث غزو العراق للكويت، والظروف التي صاحبتها والتي أعقبتها مباشرة، وما تعرضت له مدينة الرياض من تساقط لصواريخ (سكود) السوفيتية عليها، ومضادات (باتريوت) الأمريكية، التي كانت تسبقها صفارات الإنذار المشيدة فوق المباني الحكومية، والذي صم الآذان صفيرها، ويختصر الكاتب انتهاء تلك الحال المخيفة، والنفس الفزعة، بقوله: (في غرفتها نزعت منيرة الساهي شريط اللاصق الورقي المتدلي من حواف النافذة، وسحبت زجاجها بقوة، وضج صوت إطار الألمنيوم، متبوعا بالغبار: (انتهت الحرب الآن!) لم يكن واضحا أي حرب تعني، حرب الصواريخ، وعاصفة الصحراء، أم حرب قلبها وعواصفه التي انطلقت بشغف العاشق لتحصد اليباب).
ومن شغف العاشق بالمعشوق والعكس صحيح في أحداث هذه الرواية أرى أن الكاتب قد تعمق في تجسيد واقع الحب؛ حتى تسورت الرواية في بعض تفاصيلها جدار التلميح إلى التصريح الجنسي بشكل غير مقبول في مجتمعنا.
إن المتأمل في هذا المشهد التصويري الجنسي الدقيق، وغيره من المشاهد التي تغزو الرواية، التي تصف ما يدور بين الرجل والمرأة، لا يملك إلا أن يدخله في دائرة الأدب المبتذل الرخيص، وكنت آمل من الكاتب إن كان لابد فاعلا أن يمتطي أسلوب الإيحائية الرمزية عما يريد الوصول إليه، وأنا من المؤمنين بأن فلسفة الكاتب الفنية تقوم على أنه ليس هناك شكل محدد للأعمال الفنية، فهو يكتب بالشكل الذي يرتضيه ويقتضيه الموضوع، يبتدع الشكل في بداية الرواية، وفي ثناياها وفي نهايتها، ولكن للحرية حدود، وللمجتمع خصوصية، وللكاتب دين يردعه من الوقوع في مستنقع الرذيلة، وأنا إذ أحكم على بعض المشاهد بالذات وأشباهها مما قرأت في دخوله ضمن الأدب الرخيص لا يعني أني أدخل العمل بأكمله فيه، لا.. فقد أشرت في مبتدأ حديثي إلى جوانب فنية مضيئة في الرواية، والرواية في عمومها الفني حافلة بالمواقف التي تؤلف مشروعا مشتركا بين الكاتب والقارئ في رصد أحداث الغزو وما تلاه، إلى جانب اهتمامها بالحوار الداخلي والخارجي أو ما يسمى بتيار الشعور الذي يمنح للشخصية حرية واسعة في الحركة.
عبدالله بن خليفة السويكت
رئيس شعبة اللغة العربية في إدارة التربية والتعليم في محافظة الزلفي (بنين) |