يعتبر تطوير المناهج الدراسية ضرورة ملحة في ظل التطورات العالمية المتلاحقة، لذا سعت وزارة التربية والتعليم في هذه البلاد المباركة إلى مواكبة ذلك التطور العالمي في شتى المجالات في جميع مناهجها الدراسية، مع تمسكها بالقيم والمبادىء التي قامت عليها هذه البلاد، كما أكدت على أن سياسة التعليم في المملكة العربية السعودية المرجع الأول الذي يعتمد عليه المشروع الشامل لتطوير المناهج، إضافة إلى مرجعيات أخرى، مثل: حاجات سوق العمل، والحاجات المستقبلية، وحاجات الطلاب، والاتجاهات العالمية المعاصرة في تطوير المناهج، والاتجارب العالمية، والدراسات والأبحاث الميدانية المحلية والعالمية، وهذا المشروع الشامل لم يكن وليداً لأحداث معينة، وإنما كان منذ فترة زمنية يسير وفق خطط معينة ومراحل متتابعة ومدروسة.
وقد تناولت العديد من صحفنا في الفترة الماضية موضوع تطوير المناهج الدراسية خلال كتابات مختلفة لعدد من المختصين وغيرهم، وكانوا في تصوري على فئات ثلاث: فئة رفعت مناهجنا الدراسية إلى أعالي القمم، وفئة رأت أنها سبب ما بنا من مشكلات، وفئة ثالثة توسطت في الحكم.
والعدل في نظري أن مناهجنا الدراسية تتميز على كثير من مناهج دول أخرى - وربما بعضها تفوق علينا حضاريا -، يشهد لها بذلك العديد من التربويين في الداخل والخارج، وتطويرها أمر طبعي تتطلبه التطورات العالمية.
ومع هذا يبقى عنصر مهم في عملية التطوير إذا لم يراع ويلقى العناية الفائقة في مشروع التطوير فإن النتائج للمشروع لن تكون كما يراد لها.
إن هذا العنصر هو منفذ المنهج المدرسي (المعلم)، لذا اتفق المربون على أنه العنصر الأساسي الذي لا يمكن لأي نظام تعليمي أن يؤدي دوره على الوجه الأكمل في غيابه أو عند عدم كفاءته، فبإخلاصه وفاعليته ومدى استعداده للنمو، وبقدراته الإبداعية ورغبته في التطوير، والتجديد يستطيع أن يحقق للنظام التعليمي ما يصبو إليه، إذ هو حجر الزاوية في التربية والتعليم، وهو المؤثر في سلوك الطلاب وتحصيلهم الدراسي بأقواله وأفعاله ومظهره ومعتقداته وتصرفاته الشعورية أو غير الشعورية. ومن ثم فإنه مع حرص المسؤولين في وزارة التربية والتعليم على التطوير المستمر والشامل لعناصر المنهج الدراسي - الأهداف المحتوى، الأنشطة والوسائل التعليمية، التقويم - فقط فإن هذا التطوير قد لا يؤتي ثماره المرجوة ما لم يكن هناك معلم (مطور) ينفذ المنهج المطّور.
إن منفذي المنهج المدرسي - المعلمين - إذا لم يُسع إلى تطويرهم التطوير الدائم الذي يهيىء نفوسهم للتطوير الجديد الذي يحدث في المناهج المدرسية فيجعلهم يتقبلونها ويتحمسون لتنفيذها، أو على الأقل لا يعارضونها أو يسيئون تنفيذها فإن الثمار المرجوة من التطوير قد لا تتحقق .. إذ قد يكون لدينا منهج مدرسي فيه خلل أو نقص - والكمال لله - ولكن المعلم (المطور) يستطيع أن يعالج ذلك الخلل والنقص، أما إذا حصل خلل أو نقص في المعلم داخل غرفة الفصل الدراسي أو في المدرسة أو عند لقاء الطلاب فمن يعالج ذلك الخلل ويسدد ذلك النقص ؟
هناك العديد من الطرق والأساليب التي يمكن من خلالها تطوير منفذ المنهج المدرسي (المعلم) منها ما يكون أثناء الإعداد، ومنها ما يكون أثناء الخدمة.
فبرامج إعداد المعلمين لا بد أن تراجع وتطور ولا يكتفى بما هو عليه منذ سنين، إذ لا بد أن تراجع الخطط والأهداف والمقررات ومحتوياتها من قبل المختصين بين فترة وأخرى، وأن يراعى في ذلك ظروف المرحلة والمستجدات العالمية الحديثة في مجال التربية والتعليم.
إنه من خلال الالتقاء بالمعلمين حديثي التخرج في الجامعات وكليات المعلمين نجدهم يقولون: إن ما ندرِّسه من مواد ونقابله من مواقف وأوضاع تعليمية يختلف عن ما تلقيناه خلال دراستنا في مرحلة البكالوريوس، لذا لا بد أن يشارك ايضا في تطوير تلك البرامج من يعملون في وزارة التربية والتعليم وفي الميدان التربوي.
أما طرق وأساليب تطوير منفذ المنهج المدرسي أثناء الخدمة فمنها:
1 - الدورات التدريبية المتخصصة في مجال التربية والتعليم - الدورات القصيرة او الطويلة -.
2 - القراءات الموجهة في المجالات التي يحتاجها المعلمون، ومتابعة ذلك من قبل المشرفين التربويين.
3 - الزيارات التربوية المتبادلة بين المعلمين المتميزين وغير المتميزين.
4 - إتاحة الفرصة للمعلمين لحضور الندوات والمؤتمرات والمحاضرات التربوية المتخصصة.
5 - إتاحة المجال للمعلمين للمشاركة في اللجان التربوية.
6 - إتاحة المجال للمعلمين للمشاركة في تطوير المناهج الدراسية.
7 - تسهيل الفرصة للمعلمين البارزين لإكمال دراساتهم العليا، أو إكمال الدراسة الجامعية إذا لم يكن المعلم مؤهلاً جامعياً (البكالوريوس).
8 - إلزام المعلمين غير المؤهلين تربوياً بالالتحاق ببرنامج دبلوم تربوي في الجامعات والكليات المعترف بها.
9 - تكثيف المحاضرات واللقاءات التربوية للمسؤولين التربويين في وزارة التربية والتعليم، وتسهيل عقد اللقاءات بهم مع المعلمين لتباحث القضايا والمشكلات التربوية في الميدان التربوي، وأن تكون تلك اللقاءات في إدارات التربية والتعليم، ومراكز التدريب التربوي.
10 - تيسير وسائل التطور الذاتي للمعلم مثل: تزويد المكتبات المدرسية بأحدث الكتب والمجلات والدوريات في التربية والتعليم، كذلك تيسير الاتصال بالمختصين بالتربية والتعليم في الجامعات والكليات والوزارة وتوفير الاتصال بخدمة الإنترنت في المدارس.
11 - إقامة المسابقات التربوية بين المعلمين في (القراءات والبحوث والإبداعات وغيرها من مجالات التربية) ورصد الجوائز القيمة لذلك.
12 - تكريم المعلمين الذين يتطورن ويتقدمون مهنياً في ممارسة عملهم تكريما معنويا وماديا.
أخيراً: إن التطوير الشامل للمناهج الدراسية حتى يؤتي ثماره المرجوة لا بد أن يكون تطويراً شاملا لكل عناصر العملية التعليمية وعلى رأسها المعلم - منفذ المنهج المدرسي - بما ذكر من أساليب وطرق وغيرها الكثير.
|