لا أعرف حقيقة مشاعري تجاه لغة الأمل التي يمارسها أكثر الرجال حيال كثير من المواطنات اللاتي أحبطن بعزلهن عن الانتخابات البلدية في بلداهن، وقد حرمن لذة التجربة البكر بكل مشاقها وغموضها، وألا يتسنى لهن سماع شهقة البداية، فأكثر من قرأت تعليقاتهم من الرجال سواء كانوا مسؤولين أو مواطنين كانوا يرددون أن الغد سيكون زاهراً إن شاء الله، ونتمنى أن يكون كذلك ، وكأنهم يقولون: دعوا لنا البدايات وابتعدوا عن الضمان الذي لابد أن يأتي حتما على أيدي الرجال فقط.
وإن كنت كغيري قد عزفت عن الخوض في التفاصيل التي تبدو للعامة والكثير غامضة نسبة إلى بدايتها، فإنني أتعجب من ذلك الرصد الإحصائي الذي يذكرنا دوماً بأعدادنا الهائلة كإناث، إذ اقتربنا من النصف أو اننا تجاوزناه عطفا على قلة المواليد الذكور، وكيف لنا أن نتجاهل مواطنة هذا الجنس ونلغيه إذا كان قد رصد وسارت عليه شروط وحقوق المواطنة وجزاءاتها أيضا؟
الأعجب من ذلك أن مجتمعاً كهذا ينفي وجود شقه الثاني أو نصفه، هو من يخول نفسه وينيبها للحديث عن حقوق المرأة، ولم يمانع هذا البعض أن يتحدث باسم هذه المسكينة، بينما نجده في جانب آخر من يرفض دخولها هذا المعترك المهم لتربية الديموقراطية حتى وإن كان من بعيد.
أخشى ما أخشاه أن تصبح هذه الأزلية هي دوامتنا المستمرة، وأن ينقسم المجتمع إلى جبهات للدفاع والهجوم، بينما تتحرك الأمم حتى المتخلفة منها، ومن هي أقل منا موارد وإمكانات، وها هي تنهض بنفسها وتواجه متطلبات الحياة التي لا تقبل التقاعس وإهدار الوقت فيما يمكن أن يلغي جانباً لمصلحة آخر.
أما أولئك المحرجون جداً من ردود أفعال مجتمعهم تجاه المرأة ونفيها وكأنها مخلوق فائض عن الحاجة، فرغم تقديرنا للغة التهدئة والمواساة بوعود الغد فإنها ومع كامل تقديري كامرأة، قد لا تجدي نفعاً، لأن ما من فرق صريح بين المواطن وجنسه، وما ينطبق على الرجل هو ما ينطبق على المرأة وكلاهما مواطن له وعليه.
بقي لنا نحن النساء أن نمارس دور المتفرج، وأن نرى مثل هذا الركود الذي عجز أغلب الرجال عن تفهمه واستيعابه تجاه تجربة حيوية في بلادهم وهي إحياء صناديق الاقتراع، والانشغال بتوهج حياة مقبلة يفترض ألا تذوب فاعليتها، رغم أنها ستكون مضنية أو حائرة، ورغم ما يبذل من الجهات المسؤولة عن هذا الشأن لايضاحه وتيسيره، خصوصاً لمن فازوا بحظوظهم التصنيفية كذكور وبأنهم يحملون هذه الصفة التي تخول لهم حقاً دون نصفهم الآخر الذي تشاطر معهم إنجاب الحياة وخوض مشاقها العسيرة إن لم يكنَّ قد تحملن عناءها الأكبر والمرير.
وسأبقى كغيري أتقبل بتقدير مقتضب لغة العقلاء من الرجال الذين مارسوا التطمين خجلاً من النساء البعيدات جداً عن مفهوم الانتخاب فعلياً، في حين تأكدت أن كثيراً من النساء الفاعلات قد استوعبن جيداً هذا المعنى وقبلنه ورحبن به، أكثر من معظم الرجال الذين فتحت لهم الأبواب وهيئت لهم الوسائل كي يتعطفوا ويتكرموا وينتخبوا من شاؤوا، لكن البعض منهم فضّل النوم أو متابعة الكرة!
غير أنني أشك في استمرارية لغة هؤلاء الواعدين للمرأة التي أقصيت من المشاركة بحجج حداثة التجربة أو ضيق الوقت، أو حتى عدم تفهم العموم لثقافة الانتخاب في مجتمع يطل على تجربة بكر تؤكد عذريتها، وربما أن المسألة في نظرهم هي مسألة وقت يجب أن تأتي عبر الرجال في طريقها إلى النساء فلتنتظر النساء ماذا سيفعل الرجال بانتخاب أحادي لرجل عبر رجل في مجتمع أكثره نساء، وأن تتوسع التجربة بما هو خارج عن نطاق مفهوم (صناديق للرجال فقط).
|