تتواصل ردود الفعل على الساحة الإسرائيلية تجاه ما يحدث من تطورات في الأراضي الفلسطينية, وبات واضحاً أن تل أبيب تراهن على تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب وترغب فتح قنوات الاتصال سواء المباشرة أو غير المباشرة مع كبار المسئولين في المنظمات الفلسطينية وبالتحديد مع قادة حركة فتح والأجيال المتعاقبة بها سواء الجيل القديم الذي يرأسه حالياً محمود عباس أبو مازن والشاب الذي يبرز فيه مروان البرغوثي القابع حالياً في سجون الاحتلال، وهو ما تعكسه وسائل الإعلام والدراسات والأبحاث السياسية الإسرائيلية.
ومع السلاسة التي تتميز بها الأوضاع الفلسطينية حالياً خاصة مع ترشيح اللجنة المركزية والمجلس الثوري لحركة فتح وبأغلبية ساحقة أبو مازن ليكون مرشحها في الانتخابات المقبلة، بات الرهان الإسرائيلي ومن الآن على الجيل الثاني لكي يتم التعامل معه خاصة مع مرونتة وارتباط الكثير من أعضائه بعلاقات حميمة مع إسرائيل من الممكن الا يرتبط بها أعضاء الجيل الأول.
المعهد الإسرائيلي للعلوم السياسية في القدس أصدر في الأول من شهر ديسمبر الجاري دراسة بعنوان (الحرب السابعة) والتي وضعها كل من البروفيسور (عاموس بن دافيد)«1» أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية (وشلومو يشسكروف)«2»أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة بن جوريون.
في البداية تزعم الدراسة إلي ان الصراعات بين قادة حركة فتح من الجيلين باتت واضحة للجميع, وعلى الرغم من أن الساحة الفلسطينية عموما وحركة فتح خصوصا شهدت طوال تاريخها خلافات وصراعات أشد وأقوي من الصراعات الحالية إلا ان الظروف لم تكن على هذه الدرجة من التعقيد والحساسية خاصة مع حساسية الوضع حاليا بين الجيلين السابق ذكرهما. وترى الدراسة أن أبو مازن سيأتي في إطار مرحلة انتقالية لن تزيد عن خمس سنوات على الأكثر وبعدها سيتولى الجيل الجديد المسئولية, وهو ما بات يعرف بجيل (أبناء شاحاك)«3», الأمر الذي يفرض التعامل ومن الآن مع اعضاء هذا الجيل.
أبناء شاحاك
والمعروف ان إسرائيل تطلق على أبناء جيل الشباب من حركة فتح مصطلح (أبناء شاحاك) وهو المصطلح الذي أطلقه رئيس الأركان الإسرائيلي السابق أمنون ليفكين شاحاك على الشباب من منظمة فتح الذين تتراوح أعمارهم بين الثلاثين والأربعين عاماً والذين شبوا على الانتفاضه الاولى وبدأوا في انتزاع الامتيازات سواء السياسية أو الأمنية مع ظهور السلطة الوطنيه وتحولوا إلى جيل قيادي في الانتفاضة الثانية .
وتوضح الدراسة أن هذا الجيل نشأ في ظل الاحتلال الإسرائيلي وعاش في سجونه ويتحدث اللغة العبرية ولا يجيد كتابتها ويؤمن بالعنف حتى في طريقة تعامله مع الآخرين.
واكتسب هذا الجيل ثقلاً جديداً عقب تنفيذ اتفاقيات أوسلو جعلهم في وضع من يفرض الشروط أحياناً بل وقادر على انتزاع المكاسب في بعض الأحيان الأخرى داخل اللعبة السياسية الفلسطينية التي تتغير فيها أوراق القوة والضغط من يوم إلى آخر .
وتضيف الدراسة أن ابناء شاحاك ورغم انتمائهم إلى حركة فتح إلا انهم يمثلون صداعاً بشعاً في رأس كبار قيادات الحركة خاصة بعد أن وصل كبار رموزهم الى العديد من المناصب المهمة مثل مسئول الأمن الوقائي في الضفة الغربية وغزة جبريل الرجوب ومحمد دحلان , ومثل أمين سر حركه فتح في الضفة الغربية مروان البرغوتي المعتقل في السجن، وحسن عصفور الذي كان احد اللاعبين الأساسيين في مفاوضات اوسلو، في حين لا يرضى كبار أصحاب القمة والسلطة في الحركة ازدياد نفوذ هذا الجيل ويرون انه سيضر بالحركة ويجعلها في قبضة مجموعة من الشباب الأهوج الذي تتأثر الحركة بصورة خاصة والسلطة الفلسطينية بصورة عامة سلبياً بما يقوم به. بالإضافة إلى أن هذا الجيل يشعر أن الذين قدموا إلى الأراضي الفلسطينية من كبار قيادات الجيل الأول لفتح سواء من الأردن أو تونس بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو كان همهم الأول الحصول على المناصب والفيلات والسيارات الفارهة , بينما لم يحصلوا هم على نفس المناصب والمميزات، وذلك رغم أن رموزا كثيرة ل( أبناء شاحاك) استطاعت بدورها تكوين ثروات مالية ضخمة عبر السيطرة على حركة التجارة الفلسطينية أو فرض أجهزتهم الأمنية لرسوم جمركية على المعابر والحدود أو عن طريق احتكار معظم التجارة مع إسرائيل التي تعد الشريك التجاري الأساسي مع السلطة الوطنية الفلسطينية.
رفض ليكودي
واللافت أن كافة رؤساء الوزراء الإسرائيليين من الليكود يرفضون التعامل مع هذا الجيل ويفضلون التعامل مع أبناء الجيل الأول لأنهم كبروا وليس لديهم حماسة الشباب الموجودة في أبناء شاحاك وهو ما يفسر بروز نجم (أبناء شاحاك) السياسي مع تسلم حزب العمل السلطة , حيث يصبحون هم أدوات ووسائل التفاوض, لكن حين يتولى الليكود مقاليد الحكم يتراجع دورهم.
وينظر الإسرائيليون إليهم بشك حتى أن الدراسة أجرت إحصائية ميدانية أكدت أن 74% من الإسرائيليين يرون أن كبرى قيادات حزب العمل بزعامة رئيس الوزراء الراحل إسحاق رابين أو السابق أيهود باراك أو شمعون بيريس هي التي أعطت الفرصة لظهور هذا الجيل الذي ارتبط مع اعضاء الحزب بعلاقات سرية.
****
1- البروفيسور (عاموس بن دافيد) أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية له العديد من المؤلفات باللغتين العبرية والعربية، وهو من اشهر المتخصصين في مجال الشؤؤن الفلسطينية.
2- (شلومو يشسكروف) أستاذ اللغة العربية وآدابها في جامعة بن جوريون وله أيضاً عدد من المؤلفات عن العرب، ويرتبط بعلاقات صداقة قوية مع العديد من المسئولين الفلسطينيين.
3- نشأ جيل (أبناء شاحاك) في ظل الاحتلال الإسرائيلي وعاش في سجونه , يتحدث العبرية ولا يجيد كتابتها، يؤمن بالعنف حتى في طريقة تعامله مع الآخرين، واكتسب هذا الجيل ثقلا جديدا عقب تنفيذ اتفاقيات أوسلو جعلهم في وضع من يفرض الشروط أحيانا وينتزع المكاسب في أحيان أخرى داخل لعبة تتغير فيها أوراق القوة والضغط من يوم إلى آخر).
|